ماذا تفعل عندما تفقد شهيتك للقراءة؟
كثيرًا ما تُتداول أحاديث عن قفلة الكاتب، وأرى أن هناك ما يمسى بقفلة القارئ Reader’s block أيضًا، خصوصًا في عصر الهواتف الذكية ووسائل الإعلام المبثوثة وشبكة Wi-Fi الموجودة في كل مكان، إذ يمكن أن تتجمّد عقولنا المثقلة بالمعلومات وتأبى تَلَقِي المزيد. والنتيجة عندئذ أن نفقد شهيتنا لقراءة الكتب. لا نستسيغ شيئًا. ولا تستطيع جميع الأغلفة الجذابة أو النصوص البراقة أو الجمل الأولى المثيرة للاهتمام في العالم أن تجذب انتباهنا مدة كافية حتى نستغرق في كتاب جديد.
ونستبدل ذلك بتصفح مجلة ما أو قراءة الصحف أو الحرص على تصفح الإنترنت أو مشاهدة المزيد من برامج التلفزيون. فلا يمكن أن تلفت انتباهنا العبقرية الأدبية الأحدث، ولا المؤلفين الأكثر تشويقًا.
تمر بي هذه الحالة في الوقت الراهن. فبعد اتباعي نظام حمية معرفي ثابت نسبيًا من أصناف الخيال الأدبي ممزوجًا بالقصص المثيرة والبوليسية، والتحلية ببعض الأعمال غير الروائية أحيانًا، اصطدمتُ بحاجز من جدار.
لقد أنهيت أحد أعمال إم. إل. لونغوورث (جريمة قتل في إيل سوردو [1]) من سلسلة رواياته البوليسية Provençal، التي تعتبرها زوجتي مبتذلة إلى حد ما، ولكنني أجدها مسلية بما فيها من ألغاز ممتعة، ثم فقدتُ شهيتي للقراءة.
بحثتُ في العديد من كتبي المكدسة غير المقروءة. وألقيتُ نظرة على كتاب ديفيد ميتشل الأخير(مَنزلُ سليد [2])، ورواية لويس بايارد الصادرة عام 2014 (وحش روزفلت [3])، لكن بدا لي أنَّ الروايتين غنيتان جدًا أو غير مناسبتين للوقت الحالي. فكرت في الرواية التالية من سلسلة لونغوورث (موت في مزرعة الكروم [4]) لكن لم تكن دسمة بما فيه الكفاية. عدت إلى الأعمال الكلاسيكية، بهدف البدء برواية (ميدل مارش [5]) لأول مرة لكنها بدت لي بطيئة جدًا، أو قراءة ترجمة ريتشارد هوارد لعمل ستندال الكلاسيكي (تشارتر هاوس بارما [6]) لكنه بدا لي شديد الغموض.
استعرضتُ كتبًا من مكتبة زوجتي الواسعة، معتقدًا أن خياراتها المختلفة قد تخرجني من خمولي القرائي. لكني فشلت حتى الآن في مواصلة قراءة أي من الكتب التي اعتقدتُ أنها مثيرة للاهتمام وهي: (غانا يجب أن تذهب [7]) بقلم تاي سيلاسي، و(الجُمل المُعلّقة [8]) بقلم باتريك موديانو، و(الحب في مناخ بارد [9]) بقلم نانسي ميتفورد.
نظرت في الأعمال غير الروائية، فقمتُ بتنزيل كتاب (الأموال المظلمة [10]) لجين ماير لكن لا جدوى. نزّلتُ كتاب سياسي جديد بعنوان (فولكان [11]) بقلم أحد المحررين السابقين لدي، وهو ديفيد شيريف، لكن بطريقة ما تعثّرتُ في تعقيدات المؤامرة.
باختصار لم أجد حلًا لقفلة القارئ، وآمل فقط أن تكون مجرد مرحلة عابرة، ربما بسبب إزعاج إصلاحات المطبخ أو ارتباك الحملة الرئاسية الغريبة التي أغطيها بصفتي صحفي، وآمل أن يعيدني أيًا من هذه الكتب قريبًا إلى عالم الخيال المريح.
إن القراءة تتطلب قدرًا معيّنًا من الصفاء، والاستقرار الذي تبذل الحياة الحديثة قصارى جهدها لتقويضه. فهي سلوك مزاجي يتطلب أفضل الأوقات، ولهذا السبب نأخذ معنا العديد من الكتب عندما نسافر، أكثر بكثير مما يمكن قراءته في الوقت الذي نكون فيه مسافرين، من أجل أن نضمن أن شيئًا ما سيتوافق مع اللحظة الملائمة.
لقد عَرضَ أحد المدونين عددًا من الحلول لقفلة الكاتب، وقد يكون بعضها قابلًا للتطبيق على قفلة القارئ. وتشمل: الذهاب للمشي، والتخلص من المُلهيات -القول أسهل من الفعل- واللعب أو الجري أو التمارين الأخرى التي تساعد على تدفق الدم، وتغيير البيئة المحيطة بك؛ والاستماع إلى الموسيقى؛ وشرب القهوة. كما اقترح قراءة كتاب، لذا ربما تحفز محاولة كتابة روايةٍ ما القارئ المصاب بالقفلة في البحث عن عمل كتابي لائق.
القراءة عبارة عن سلوك إبداعي مثل الكتابة. قد يكون أكثر خمولًا من الكتابة، لكنه ليس خاملًا بالكامل، لأن خيال القارئ ينخرط في تحويل كلمات المؤلف إلى صور أو مفاهيم. لذلك قد تساعد بعض هذه النصائح في التغلب على قفلة الكاتب، وقد تساعد في إفساح المجال للإبداع. أو قد يكون الحل في مجرد الانتظار.
- داريل ديلاميد: كاتب وصحفي يقيم في واشنطن. وهو مؤلف لكتابين غير روائيين، "صدمة الديون" و "كبرى الأقاليم الجديدة في أوروبا"، بالإضافة إلى رواية "الذهب". متخصص في الاقتصاد والأعمال إلى جانب مهنة الصحافة. وُلد ديلاميد في كنساس ونشأ وترعرع في سانت لويس بولاية ميزوري، حصل على درجة الماجستير من جامعة كولومبيا. وقضى عدة سنوات مراسلًا أجنبيًا في باريس وغيرها من المدن الأوروبية.
- ترجمة: بلقيس الكثيري.
- تدقيق لغوي: مؤمن الوزان.
[1] Murder on the Ile Sordou
[2] Slade House
[3] Roosevelt’s Beast
[4] Death in the Vines
[5] Middlemarch
[6] The charterhouse of Parma
[7] Ghana must go
[8] Suspended Sentences
[9] Love in a Cold Climate
[10] Dark Money
[11] Vulkan
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق