رواية رجل المَعقِل العالي من تأليف الكاتب الأمريكي فيليب ديك، صدرت عام ١٩٦٢م، وحصدت جائزة هوغو لأفضل رواية عام ١٩٦٣. تتكون من خمسة عشر فصلًا وتدور أحداثها في منطقتين هما: سان فرانسيسكو والمنطقة المحايدة بين الساحلين الغربي والشرقي للولايات المتحدة، متمثلة في ثلاث مدن هي كانون سيتي ودنفر وشايان.
تعتمد الرواية في مجرياتها على ثلاثة محاور هي: الجاسوسية، والمؤامرة، والدور التوعوي الذي يلعبه الأدب تاريخيًا وسياسيًا. وتصنف الرواية ضمن فئة الخيال العلمي والتاريخ البديل.
ويقصد بمفهوم التاريخ البديل (alternate history) في العمل الروائي، تغيير مجرى الحدث التاريخي وتصوّره بصورة مغايرة لما حدث. وأغلب من كتبوا هذا النوع من الأعمال تناولوا موضوع الحرب كفكرة رئيسة تتمحور في فرضية عكسية للحدث، على سبيل المثال: ماذا لو أنّ الكونفدرالية فازت بالحرب الأهلية الأمريكية؟ أو ماذا لو أن نابليون انتصر في معركة واترلو ؟
عبر هذه الرواية يدخلنا فيليب ديك إلى عالم تنتصر فيه دول المحور في الحرب العالمية الثانية على الحلفاء وتقع أمريكا بين مطرقة ألمانيا النازية وسندان الامبراطورية اليابانية. ويظهر اليابانيون كهواة للفن وجمع التحف. أما الألمان، فينصبُّ اهتمامهم على العِلم حيث طوّروا القنبلة الهيدروجينيّة وصمّموا صواريخ سريعة للسّفر في الفضاء، بعد أن استعمروا القمر والمريخ والزهرة. كما اهتموا بالسياسة والاقتصاد وممارسة السلطة القمعية بإبادة السود الأفارقة واليهود.
الرواية تحث القارئ على رؤية التاريخ من أكثر من زاوية، والإجابة عن العديد من الأسئلة أهمها: ماذا كنت ستفعل لو كنت مجرد شخص في منظومة تنتهج الظلم كمبدأ وأنت عاجز عن تغيير النظام كليا. لكن بكل الأحوال هذا لا يعني القبول بأن تكون جزءًا منها.
تمّ تحويل هذا العمل الأدبي إلى مسلسلٍ تلفزيونيّ مع إدخال عدد من التعديلات عليه.
الجندب يستلقي ثقيلًا
من مزايا هذه الرواية وجود رواية أخرى بين طيّاتها بعنوان (الجندب يستلقي ثقيلا) والتي اُشتق عنوانها من الإنجيل سفر الجامعة ١٢:٥ "... والجندب يُستثقل...." ويظهر اسمها لأول مرة في الفصل الخامس عندما تقترح ريتا على مادسون أن يقرأها. مؤلف هذه الرواية هو هوثورن أبندسن وهو المقصود برجل المعقل العالي. يُمنع تداول رواية الجندب من قبل السلطات الألمانية في الأراضي النازية، ولكنها في المناطق الأخرى من أفضل الكتب مبيعًا إذ تتناول تاريخ بديل يفوز فيه الحلفاء في الحرب العالمية الثانية (بنتائج مختلفة عن التاريخ المعروف اليوم). ولهذا السبب يسعى الألمان لاغتيال مؤلفها هوثورن أبندسن الذي يُشاع بأنه متحصن في معقل عالٍ لحماية نفسه. الجدير بالذكر أنه رغم الدور الهام الذي يلعبه هوثورن أبندسن في هذه الرواية ووصفه برجل المعقل العالي إلا أن ظهوره اقتصر على مشهد وحيد في الفصل الأخير.
كتاب التغيرات (I Ching)
ولا يمكن الحديث عن هذه الرواية دون التطرق إلى كتاب التغيرات أو "ايجنغ" (I Ching) الذي تستند إليه معظم الشخصيات في اتخاذ قرارتهم، وكان المرجع الذي استعان به هوثورن في كتابة أفكاره حول رواية الجندب.
يعد كتاب التغيرات أحد أقدم الكتب في العالم وهو أبرز خمس كتب في الفلسفة الكونفوشيوسية الصينية مبني على الحكمة والكهانة وقراءة الطالع والتنجيم. والآلية التي ينتهجها هذا الكتاب تعتمد على تحويل السؤال إلى رموز مرئية تتم قراءتها من خلال إلقاء ثلاث عملات نقدية ست مرات لبناء سلسلة من ستة خطوط تسمى "السداسية" ثم الاطلاع على الشكل السداسي الناتج في كتاب التغيرات، للوصول إلى الفقرة التي تصف ما يعنيه كل خط من الخطوط الستة. وقد صدرت أول نسخة مترجمة للعربية عام ٢٠٠٨؛ مترجمة على يد الروائي العراقي بشار عبدالله.
عنوان الرواية The man in the high castle
بأخذ عدد من الملاحظات الواردة في سياق الرواية في عين الاعتبار، اخترتُ ترجمة عنوانها إلى رجل المعقل العالي، ففي حوار جوليانا مع جو في الفصل السادس حول هوثورن وروايته ذكرت أن (the high castle) هو الاسم المستعار (his pet name) الذي يصف به هوثورن مقره، مما يعني أنه في الحقيقة ليس بقلعة ولا قصر. يؤكد ذلك أيضًا استخدام لفظ (fortress) أكثر من مرة في إشارة لسكن هوثورن، إيحاءً بأنه إنما يتخذ المكان كحصن يتحصن به بعيدًا عن أعين الألمان الذين يسعون لقتله. لذا فإن لفظ معقل أو حصن أقرب للمعنى المقصود.
أبرز شخصيات الرواية:
*روبرت تشايلدان: بائع أمريكي يمتلك محل لبيع التحف الأمريكية لزبائنه من اليابانيين. لذا يشغل حيز المنتصف بين الأمريكيين واليابانيين. تأثّر بالعديد من الآداب اليابانية كالانحناء نتيجة لاختلاطه باليابانيين. وتتأرجح مشاعره بين إعجابه باليابانيين تارة وكراهيتهم.
*فرانك فرينك: صانع تحف أمريكية، يخفي هويته اليهودية لئلا تطاله يد النازية. بعد طرده من عمله ينشئ عملًا خاصا مع صديقه إد مكارثي. لديه مقت شديد للنازيين. وهو زوج جوليانا السابق.
*نوبوسوكي تاغومي: رئيس لجنة التجارة اليابانية في دول المحيط الهادئ الأمريكية. يخطط للقاء عمل مع باينز، ثم يدرك أن الرجل جاسوس، ويدافع عنه بشجاعة في لحظة اقتحام رجال الشرطة السرية للاجتماع بهدف اختطافه.
*جوليانا فرينك: معلمة جودو تعيش في جبال روكي. تدخل في علاقة مع سائق شاحنة يدعى جو سيناديلا، وتلعب دورًا في تحذير هوثورن من الخطر الذي يهدد حياته.
*ويندام ماتسون: رئيس فرانك السابق في العمل الذي قام بطرده بعد شجار معه. يدير مصنعًا لصنع الأدوات المعدنية بما في ذلك التحف المقلدة، يتعرّض للابتزاز من قبل فرانك فرينك.
*باينز/ رودولف فيغنر: يظهر باينز كرجل أعمال من السويد ، لكنه في الحقيقة جاسوس ألماني يسعى لتوصيل رسالة مهمة إلى الجنرال الياباني المتقاعد ياتابي تيديكي. على الرغم من أنه ألماني ، إلا أنه يسعى لإيقاف النازيين؛ من خلال نقل أسرار الدولة إلى اليابانيين.
*جو سيناديلا: يظهر كسائق شاحنة إيطالي، ويبدأ في علاقة مع جوليانا فرينك. و خلال رحلة برية إلى دنفور تكتشف جوليانا أنه في الحقيقة قاتل سويدي تم إرساله لقتل هوثورن .
* شينجيرو ياتابي /الجنرال تيديكي: جنرال ياباني متقاعد يسافر إلى دول المحيط الهادئ الأمريكية لسماع رسالة من باينز، والتي قد تؤثر على سلامة الجزر اليابانية. يظهر الجنرال تيديكي كمتقاعد عادي باسم شينجيرو ياتابي حتى لا يتم اكتشافه من قبل السلطات الألمانية.
*هوثورن أبندسن: مؤلف رواية الجندب يستلقي ثقيلًا. كان يعيش مع زوجته كارولين في مكان شديد الحراسة (المعقل العالي) بسبب التهديدات التي تلقاها بعد كتابة كتابه، لكنه يترك المعقل لينتقل للعيش في منزل عادي وهو المكان الذي يقابل فيه جوليانا.
ملخص الرواية
تبدأ الرواية في سان فرانسيسكو في محل لبيع التحف الأمريكية يمتلكه روبرت تشايلدان الذي كان ينتظر وصول تحفة هامة؛ وهي عبارة عن مسدس من أيام الحرب الأهلية الأمريكية، كان قد أوصاه عليه أحد عملائه وهو المسؤول التجاري الياباني تاغومي، الذي كان يود إهدائها لرجل أعمال سويدي يدعى باينز.
في تلك الأثناء يظهر الأمريكي فرانك فرينك الذي يخفي هويته اليهودية لئلا تطاله يد النازية. يفقد فرينك وظيفته بعد شجاره مع رئيسه في العمل السيد ويندام ماتسون صاحب شركة ماتسون لتصنيع المعادن والتحف التي يتضح فيما بعد زيفها وأنها تحف مقلدة. ومن خلال تأملات فرانك فرينك ينقل لنا صورة عما يدور في العالم حوله؛ فالألمان ما زالوا يمارسون الإبادة الجماعية لليهود وكذلك السود من سكان أفريقيا بمساعدتهم إيطاليا لاحتلال معظم أفريقيا. كذلك يعطينا فرينك إشارة لنطاق الرواية الزمني التي تجري أحداثها بعد خمسة عشر عامًا من هزيمة أمريكا والحلفاء ١٩٤٧.
من ناحية أخرى يظهر باينز كرجل أعمال سويدي قادم إلى سان فرانسيسكو لعقد عمل مع السمسار التجاري تاغومي في حين أنه ليس سوى عميل ألماني يعمل لصالح اليابان. بالتالي يحاول تأجيل العمل مع تاغومي بانتظار وصول الجاسوس الياباني ياتابي لينقل له خطط ألمانيا السرية بشأن هجوم محتمل على اليابان، ويخفي تلك المعلومات السرية في لفائف سجائر. تقترب الشرطة السرية النازيّة من الإمساك بباينز، الذي يتبين أنه مناضل ألماني يدعى "رودولف فيغنر" وتعرف بأمر المقابلة التي يعقدها مع تاغومي وياتابي فترسل مجموعة لاختطافه.
في مدينة كانون سيتي في المنطقة المحايدة بين الساحل الغربي الذي تسيطر عليه اليابان والساحل الشرقي المحتل من قبل ألمانيا تقابل جوليانا زوجة فرينك فرانك سابقًا سائق شاحنة شاب اسمه جو سيناديلا الذي يدّعي أنه إيطالي وأنه حارب ضد الإنجليز في شمال أفريقيا، ويحدثها عن هواياته فيتطرقان إلى موضوع قراءته لرواية الجندب التي تتناول تاريخ بديل لنتيجة الحرب العالمية الثانية وأن إيطاليا خدعت ألمانيا وبالتالي انتصرت أمريكا وبريطانيا، ثم بدأت حرب باردة بين هاتين القوتين.
يقترح جو على جوليانا السفر إلى دنفر ورغم الشكوك التي تنتابها حوله، توافق ويسافران بسيارتها وعندها يقترح جو زيارة المؤلف الغامض هوثورن أبندسن الذي يعيش في شايان وايومينغ في مكان أشبه بالحصن يسمى (المعقل العالي)، خوفًا من أن يغتاله الألمان.
وعند وصولهما إلى كولورادو يغير جو شكله وسلوكياته، ويبدأ في تهديد جوليانا بالقتل إذا لم تتعاون معه في الوصول إلى المؤلف هوثورن . تتهمه جوليانا بأنه قاتل ألماني يسعى لاغتيال هوثورن ويعترف بذلك موضحًا هويته السويدية. تتصارع معه وبممارستها لحركات الجودو التي تتقنها، تتغلب عليه وتجرحه بشفرة حلاقة في عنقه. ثم تتواصل مع هوثورن لتحذيره عن طريق الاتصال بزوجته كارولين وتقابله في منزله. تسأله خلال زيارتها عن رواية الجندب وكتاب التغيرات ليعترف أخيرًا أن كتاب التغيرات هو الذي ألهمه لكتابة الرواية من أجل توضيح الحقيقة ألا وهي أن ألمانيا واليابان خسرتا الحرب.
بلقيس الكثري.
هل الرواية متوفرة باللغة العربية؟
ردحذف