يُعرف الإيمان على أنه الاعتقاد أو الثقة في شيء أو شخص أو مفهوم. في الدين، يتمحور إيمان المرء حول الثقة والالتزام في نظام معين من المعتقدات الدينية. في رواية ايفان مارتيل، حياة باي، نرى بطل الرواية محتارًا بشأن اختيار ديانة ليعتنقها، لكنه يؤمن على نحوٍ مذهل بمجموعة راقية وذات دلالة من المعتقدات الشخصية، والتي كانت مفتاحًا لنجاته. قدّم إيمان باي في ثلاث ديانات، المسيحية والهندوسية والإسلام، لصاحبه مساعدةً جوهرية في رحلة البقاء. كما شكّل إيمان باي بالمسيحية مصدر إيمان قوي وفعّال خلال الرحلة. ينصب تركيز الديانة المسيحية على معتقدات تتعلق بميلاد يسوع المسيح وحياته وموته وقيامته، ("النصرانية"). كما قاده إيمانه بالمسيحية نحو خلق روتين صلاة، فقد كان يصلي آناء الليل وأطراف النهار. يقول باي: "أبقيت نفسي مشغولًا، كان هذا سبب نجاتي". "الشروق: استيقظ، صلاة". "منتصف النهار: صلاة، غداء". "الغروب:... صلاة". "الليل.. نوم متقطع، صلاة". (حياة باي ص210). في ضوء هذه الشهادة، نستجلي استخدام باي إيمانه على أنه آلية تكيف أثناء الصعوبات التي مرَّ بها في محنته. حتى إنه يقول عن نفسه "كان هذا سبب بقائي حيًا"، وذلك لأنه علِم في قرارة نفسه أنه لا يجدر به اتباع روتينه الديني المعتاد، بل فعل ما هو أكثر، مما حافظ على صحته العقلية، وحال دونه والجنون. كان بطل الرواية يواجه فراغًا رهيبًا، وهذا من شأنه أن يقود المرء إلى الجنون مع غياب أي عمل ليفعله. طالما كان لدى من يؤمن بديانة ما منظورٌ إيجابيٌ متفائلٌ نحو الحياة، وذلك لإيمانهم بما هو أكثر من الواقع. ثمة شيء صالح ومقدس في هذا العالم. الأمر الذي ينطبق على بطل الرواية باي، كانت لديه عقلية منفتحة ساعدته على التنقل بين ثلاث ديانات، على الرغم من عدم تقيده بتعاليم ديانة محددة الأمر الذي كان سببًا لنجاته. ساعدت النصرانية باي على تجاهل الواقع والنظر إلى ما وراءه، كان يتعامل مع الكارثة كما يتعامل مع بقية كوارث العالم، يتطلع إلى ما وراءها ويصلي من أجل أن يمنحه الرب سببًا ومعنًى للبقاء حيًا. كما أدخلت له طقوسه الدينية الطمأنينة على نفسه، ومدّته بإرادة الاستمرار. يقول بطل الرواية: "أدخلت طقوسي الدينية الراحة على نفسي، إنه أمرٌ مؤكد. لكنه كان شاقًا، أوه، ما كان أشقاه. الإيمان بالرب انفتاح واستغناء وثقة عمياء. محبة غير مشروطة - لكن يصعب جدًا في بعض الأحايين أن تحب" (الرواية، ص 231). يقرُّ باي بتضعضع إيمانه عندما بدا له أن الرب لم يكن يصغي إلى نداءاته. لكنه ظل مواظبًا على الصلاة كما ظل مخلصًا وممارسًا لطقوسه الدينية طوال 227 يومًا بأكملها. كان إيمان باي السبب الأساسي في الحفاظ على عقله من الجنون وفي نجاته كذلك. أمّا إيمانه بالهندوسية فهي مثال آخر قوي أسهم في صموده أثناء محنته. الهندوسية ديانة قديمة في الهند تجمع خليطا متنوعا وغنيا من الطقوس التي تشترك في موضوعات مشتركة، لكنها لا تفرض مجموعة واحدة من المعتقدات أو الممارسات على الفرد. ("الهندوسية"). ساعد إيمان باي المتين بالهندوسية على تجاوزه لمحنته. تأتي الرواية على ذكر لحظة يستيقظ فيها البطل في منتصف الليل ليجد نفسه ضحية مشاعر هوان وضآلة تستبد به نظرًا لحالته. كانت تلك المشاعر تطفو بشكل خوف واكتئاب، لكنها تأخذ بالتلاشي عندما يستذكر قصة شخصية هندوسية تدعى ماركانديا كان قد تعرَّف عليها بسبب إيمانه بالهندوسية. يقول باي: "شعرت وكأنني الحكيم ماركانديا، الذي سقط من فم فشينو عندما كان نائمًا، تفحّصَ الكون بأكمله، رأى جميع خبايا الوجود. لكن قبل أن يقضي الحكيم نحبه من الذعر استيقظ فيشنو وأعاده إلى فمّه" (الرواية، ص 177). أعطى إنقاذ فيشنو للحكيم باي دافعًا نحو الاستمرار، كان يُبعث مجددًا كل صباح ويواصل القتال من أجل حياته. غالبًا ما سلبت منه الليالي شعوره بالأمل، لكن شروق الشمس أعاده إلية أعاد رغبته في القتال والنجاة. كان من الواضح أن باي استمد قوّته من خليط صلواته وممارساته الدينية. إذ كان إيمانه القوي بالهندوسية يدفعه إلى استخراج الأفضل في كل موقف والنظر إلى الأمور بمنظورٍ مختلف. عندما يتذكر قصة الحكيم كان التفاؤل يسري في عروقه حتى نهايتها تحديدًا، الأمر الذي دفعه نحو مواصلة طقوسه وأعماله اليومية. لقد أدرك أن وضعه لم يكن مثيرًا للإعجاب كما هو وضع الحكيم في القصة، لكنه أدرك أيضًا ضرورة الحفاظ على النظرة الإيجابية لوضعه وآداء طقوسه كما ينبغي وذلك لينجز مهام يومه، الأمر الذي سيبقي عقله نشطًا، وأمله حيًا. في الختام، كان الدين الإسلامي آخر أسلحة باي في محنته، إذ شكّل الإسلام مصدرًا لقوته ونجاته من الكارثة. يرتكز الدين الإسلامي على الوحي الذي تلقاه النبي محمد والخضوع لإرادة الله. كما يركز على نحو كبير على الحيوانات وأن جميع المخلوقات مخلوقات الله ويجب معاملتها بلطف ورحمة. ("دين الاسلام"). عندما رأى باي أن جميع حلوله للبقاء جنبًا إلى جنب مع النمر ريتشارد باركر تتعارض مع معتقداته تفكّر في جوهر إيمانه ووجد أن عليه ترويض النمر والاعتناء به. بدأ باي يؤمن في خطّته واستنتج أنها الخطة المثالية. يقول باي:"كان علي ترويضه. في تلك اللحظة أدركت هذه الضرورة. لم يكن السؤال أنا أو النمر، بل كان أنا والنمر. كنّا، بالمعنى الحرفي والمجازي، على ذات القارب. إما نعيش - وإما نموت معًا "(الرواية، ص 181). أدرك باي أن عليه التعايش مع النمر بكل لطفٍ واحترام إذ يفرض عليه الإسلام ذلك. يظهر هذا الاقتباس إيمان باي الإسلامي العطوف نحو ريتشارد باركر، النمر، إذ يدرك أن ليس عليه إبقائه حيًا فقط بل والسيطرة عليه أيضًا. فهو عالق معه طوال الرحلة التي يتحتم عليه خلالها وضع ثقته في دينه وفي النمر كذلك لكي يتمكن من النجاة. يعتقد باي أن النمر أخاه وذلك بناءً على معتقداته الإسلامية التي ظل يتذكرها رغم كراهيته للنمر وحقده عليه. وبالاعتماد على تعاليم الإسلام التي تحثّه على معاملة الحيوانات بكل لطف ومراعاة آمن بأن الحيوان سينجو في آخر المطاف على القارب. وسرعان ما أدرك مع مرور الوقت أنه ما كان لينجو لولا ترويضه للنمر ومرافقته. يقول بطل الرواية: "شجعني وجود النمر على الاستمرار في العيش. كرهته لذلك، بيد أنني شعرت بالامتنان نحوه في الوقت ذاته، كنت ممتنا. أنا ممتن. إنها الحقيقة المجردة: فمن دون ريتشارد باركر، ما كنت على قيد الحياة اليوم لأروي بقصتي". (الرواية، ص 186). ويستمر هذا ليثبت أن ترويض النمر لم يكن جانبًا مهمًا من الرواية فقط، بل يوضح تمام الوضوح كيف أن لولا وجود النمر ما كان ليبقى باي على قيد الحياة. كما أن ثمة مصدر آخر هام لعقيدته الإسلامية يتمثل في الوقت الطويل الذي استغرقه باي لإعادة صياغة قواعده الطقوسية وذلك عندما قال: "في مثل هذه اللحظات حاولت الارتقاء بنفسي. كنت لألمس طاقيتي التي صنعتها من بقايا قميصي وأقول بصوت عال "هذه قبعة الله!"... كان اليأس سوادًا حالكًا لا يسمح بدخول الضوء أو خروجه، كان جحيمًا يتعذر وصفه كما أظن. لكنه يمضي على الدوام" (الرواية، ص 209). تعود هذه القبعة إلى القبعة الإسلامية التي اعتاد على ارتدائها كل يوم. في هذه الحالة، عندما استخدم قمصانه بدلًا من العمامة العادية، وهو بهذا أعاد أساليب حياته إلى وضعها الطبيعي. وهو يخلق جوًا يشبه كثيرا ما اعتاد عليه، فإنه يخفف من حقيقة وضعه ويجلب الضوء إلى كل ما هو مظلم. يظهر التزام باي بهذا الدين والأديان الثلاثة المختلفة كليا أن الحب والإيمان يزدهران في داخله، كما يظهر أيضًا أنها المصدر نفسه الذي يستمد منه القوة والرغبة في النجاة من محنته. يظهر باي خلال الرواية محتارًا حول أي ديانة ليتّبعها إلا أن إيمانه بمزيج من المعتقدات الهادفة والراقية كان السبب الرئيس لبقائه حيًا. كما أن تحليل إيمان باي لدياناته الثلاث، المسيحية والهندوسية والإسلام، يساعد على نحوٍ عام في فهم القوى الدافعة التي سمحت له في النجاة من كارثة غيّرت حياته إلى الأبد. أما المسألة الأكثر تشويقًا في إيمانه والتي تُفهم عبر الرواية هي عندما يسرد باي نسخة بديلة من قصته باستبدال جميع الحيوانات ببشر. ونظرًا لكلتا النسختين، فإن هذا يجبر القراء على التفكير بأي نسخة يفضلون، تلك التي تتضمن الحيوانات ويرّوض بها النمر طوال 277 يومًا أو تلك التي تتضمن أشخاصا حقيقيين غير زائفين. وبطبيعة الحال، الآراء مختلفة، ولكن السؤال موجه إلى أن يكون بمنزلة الانعكاس اللاهوتي. هل يفضل المرء أن يؤمن بالاستدلال المنطقي والأشياء التي يراها مجسدةً أمامه؟ أو يفضل الإيمان بالمعتقدات والمعجزات؟
الجدل هو أنه إذا كان المرء يفضل القصة مع الحيوانات، ويختار أن يؤمن بالمستحيل، وأن يكون لديه إيمان لا يتزعزع، كما يؤمن بعالم حيث السحر والأشياء التي لا تصدق، عالم حيث الناس يساعدهم "الرب" على أي نحوٍ يقبله المرء. وهذا من شأنه أن يتلاءم و الغرض الرئيس من القصة توجيه القارئ نحو الإيمان بالرب. ولكن على أي حال، وبصرف النظر عن تكرار سرد المرء لقصة الرب (من خلال المسيحية أو الهندوسية أو الإسلام)، إلا أنه يبقى كما هو، يغيّر الرب القصة تمامًا لتتناسب والشخص أو الثقافة.
UKESSAYS.
ترجمة: شوق العنزي.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق