(سيشي يوكوميزو)
باول فرينتش.
شهدت السنوات الأخيرة تحركات للأكاديميين حول العالم للنظر في الحركة الأدبية للقرن العشرين، خاصّةً للحداثة من نطاق عالمي. مما أدى إلى توسع الإنتاج الأدبي الحداثي أكثر من كونه منحصرًا في جويس، وولف، إليوت، باوند أو هيمنغوَي، وللتفكير أكثر حول الأدب الذي يتدفق ذهابًا وإيابًا عبر الكرة الأرضية فمن الواضح أن هذا مرحب به. مع ذلك، حين نتحدث عن العصر الذهبي لكتابات الجريمة، فإن تلك الحقبة تتركز إلى حد كبير في حقبة العشرينات والثلاثينات، وتتكون من القصص البوليسية التي تركز التحقيق عن هوية القاتل والألغاز البوليسية التي تُقام غالبًا في البيوت الريفية المنعزلة، وما زالت تُرى غالبا في الأسلوب البريطاني وشمال أمريكا. مارجيري ألينغهام، جلبرت شيسترتون، أجاثا كريستي، جوزيف جيفرسون فارجون، دوروثي سايرز وجوزفين تي، بالإضافة إلى الأمريكيين الذين يكتبون بطرق مشابهة مثل إيرل دير بيغرز، إليري كوين، إرل ستانلي غاردنر وآخرون ممن سبقوا ظهور هذا الأسلوب القاسي، هناك القليل من الطابع الدولي إذا أضفت أمثال جورج سيمنون في فرنسا والنيوزيلنديّ نجيو مارش. لكن القليل من الاهتمام في أي مكان آخر.
على الرغم من ذلك، الآن يمكن لمحبي العصر الذهبي أن يقرأوا للممثل الياباني الرئيس لهذا النوع من الكتب باللغة الإنجليزية، سيشي يوكوميزو، الذي كان معاصرًا لجميع الكتاب أعلاه كونه وُلد في كوبي عام 1902.
قال دانيال سيتون، من دار بوشكين فيرتيجو برس في لندن والذي نشر للتو اثنين من كلاسيكيات يوكوميزو المترجمة حديثًا، لموقع كرايم ريد: "القراء في بريطانيا والولايات المتحدة يحبون كلاسيكيات العصر الذهبي لمؤلفين مثل أجاثا كريستي وجون ديكسون كار، لذلك اعتقدنا أن فرصة استمتاعهم بأعمال يوكوميزو المبتكرة سيكون متأخر قليلًا ". لدى القراء الآن جرائم هونجين The Honjin Murders (ترجمة لويز هيل كاواي) و لعنة إينوماجي The Inugami Curse (تُرجم عبر Yumiko Yamazaki)، وكلاهما يضم المحقق الهاوي القذر كوسوكي كيندايتشي.
بمعنى ما السبب في أن كتب يوكوميزو لم تُترجم إلى اللغة الإنجليزية من قبل هو لغز بحد ذاته، الإجابة الوحيدة من الممكن أن تكون بسبب أن العصر الذهبي لجرائم القتل في الغرف المقفلة، الحبكة المبتكرة والمحققين المحترفين كانت من الأشياء التي انتشرت في بريطانيا غالبًا وفي أمريكا احيانًا. مع ذلك فالعناوين المذكورة سابقًا هي فقط اثنتين من بين ٧٨ رواية تُظهر المحقق كوسوكي كيندايتشي. كتب يوكوميزو أيضًا الكثير من الروايات الأخرى بين عام 1935 ووفاته في عام 1981، باع خلالها أكثر من 55 مليون كتاب.
نُشرت رواية جرائم هونجين أول مرة عام 1946 (على الرغم من أن أحداثها تدور في مدة ما قبل الحرب عام 1930) وفازت بأول جائزة في اليابان لكتّاب الغموض في عام 1948. هي رواية كُتبت في العصر الذهبي عن عمد، كتبها كاتب استشهد بتأثره بكريستي ومؤلفي العصر الذهبي الأوروبيين. مع هذا فإن هذا الكتاب قطعًا ياباني في عالمه، تدور أحداثه في نُزل هونجين المثلجة والمنعزلة (نوع تقليدي من النُزل حيث كان يُقيم فيه النبلاء في حقبة إيدو التي امتدت من عام 1603 إلى 1868 (آخر حقب اليابان القديمة). هذه الرواية تُعد من ألغاز الغرف المقفلة البوليسية، تتكون من محقق بوليسيّ، مفتش إيسوكاوا بالإضافة إلى المحقق السري كوسوكي كيندايتشي المجرد من السلاح. حدثت جرائم القتل قبل مراسم زواج تقليدي مع آلة الكوتو، آلة وترية تقليدية في اليابان، ستكون أساسية لهذه الحبكة. تشمل الأدلة الأخرى سيوف الكاتانا (سيوف الساموراي) وما إذا كان أحدهم قد قام بطقس السيبوكو الانتحاري (انتحار الساموراي عن طريق قطع الأحشاء). علّق يوكوميزو حين نُشر الكتاب متسلسلًا وشبهه المراجعون بروايات العصر الذهبي البريطاني وبعدها تُرجم وقرأه اليابانيين، "خلف الحكاية، دائمًا توجد صلة بالتاريخ الياباني".
لم يكن يوكوميزو كاتب الجرائم الياباني الوحيد في منتصف القرن العشرين الذي تأثر بالعصر الذهبي، وبالتأكيد ألهمت شهرته ونجاحه الأجيال اللاحقة. فهناك الكاتب سوجي شيمادا الذي وُلِد في عام 1940 في فوكوياما، كتب بأسلوب العصر الذهبي بإسهاب في كلٍ من أكثر روايتيْه مبيعًا المحقق ميتاراي والمحقق يوشيكي، ومثل سلفه يوكوميزو فقد كان حريصًا على ذكر الكتّاب الذين ألهموه، لا سيما إدجار آلان بو، كريستي وآرثر كونان دويل.
ولكن من المهم أيضًا أن نرى يوكوميزو كاتبًا ضمن التقاليد الأدبية اليابانية وكونه أكثر الكتَّاب انتشارًا في أوائل القرن العشرين أيضًا، وليس فقط من ضمن أولئك الذين سعوا لتقليد الكتابة الغربية. عندما كان شابًا، كان يوكوميزو قادرًا على الاستفادة من رواج الروايات الغربية في اليابان والكم الهائل من الكتابة، وليس فقط قصص الجريمة المترجمة إلى اليابانية كما هو واضح. كان يوكوميزو أيضًا معاصرًا قريبًا للكتّاب اليابانيين الحداثيين، أو كما كان يُطلق عليها غالبًا مدرسة الإثارة الجديدة للكتابة اليابانية. بحث هؤلاء الكتاب، مثل ريونوسكي أكوتاجاوا، وريتشي يوكوميزو، وياسوناري كاواباتا وجونيتشيرو تونيزاكي، بجد للحصول على ترجمات للكتابة الأوروبية والأمريكية وسعوا بوعي إلى مزج كل من أساليب الكتابة اليابانية التقليدية والأساليب الغربية في أعمالهم، وكذلك إعادة تفسير الأحداث التاريخية والقصص الكلاسيكية. قاموا بخلط الثقافات والحقب الزمنية والأساليب الشرقية والغربية عن عمد وجلب المشاعر المرهفة الحديثة حتى حين تكون الأحداث كُتبت عن الماضي.
يتضح أن يوكوميزو قد تأثر قليلًا بهؤلاء الكتّاب الأوائل، خاصةً أكوتاجاوا، يظهر هذا في استخدامه المتكرر لوجهات النظر المتضاربة والمتناقضة للحدث نفسه- في حالة يوكوميزو كان هذا الحدث هو جريمة على الدوام. باستخدام هذا الأسلوب الأدبي مرارًا وتكرارًا، يتابع يوكوميزو القصة القصيرة المؤثرة جدا لأكوتاجاوا عام 1922 In a Grove (المستوحاة من قراءة أكوتاجاوا للكاتب الأمريكي Ambrose Bierce)، وتقدم ثلاث روايات مختلفة عن مقتل ساموراي. أصبحت القصة أشهرَ في كل من اليابان بعد الحرب والغرب مع نجاح فيلم أكيرا كوروساوا عام 1950 في راشومون.
كان يوكوميزو على وعي تام حينما اتخذ قرار الكتابة بأسلوب العصر الذهبي الإجرامي. في السابق، جرب في البداية حين كان لا يزال يعمل في صيدلية عائلته (كان صيدليًا مؤهلًا) الكتابةَ التاريخيةَ (مرة أخرى مستلهمة من أمثال أكوتاجاوا) وبعدها قصصَ خيالية تاريخية تُبرز قاضٍ متدرب يحل الجرائم (هذا الصنف كان شعبيًا وبالأخص في الصين ثم انتشر في اليابان أيضًا). انقطعت مهنته إجباريًا خلال الحرب العالمية الثانية بسبب نقص الأوراق وقيود النشر (بالإضافة إلى مرض السل الشديد الذي أصاب يوكوميزو). خليط من المرض والرقابة يعني أنه دبَّر بصعوبة الحصول على بعض القصص الرومانسية المنشورة حتى نهاية الحرب في 1945.
استمر هذا الوضع على حاله بعد الحرب فحسب، خلال الاحتلال الأمريكي لليابان، ليقرر يوكوميزو أن يكتب عمدًا بأسلوب العصر الذهبي، من أجل نشرها متسلسلةً في مجلات أدبية قبل نشرها في كتاب، وأن تجري وقائع رواياته في اليابان المعاصرة (أو الحديثة). أدخل سيشي يوكوميزو من أجل قرَّائه اليابانيين كتَّاب العصر الذهبي لأدب الجريمة الذين أمتعوا وقُرءوا إجباريًا في سنوات ما بعد الحرب العصيبة. على أي حال لولا المترجمين إلى الإنجليزية لبقي الكاتب مجهولا خارج اليابان تقريبًا. وحتى يومنا هذا. يسعى الناشر بوشكين فيرجيتو لترجمة عناوين أخرى ليوكوميزو. ما زالت تُقرأ روايات يوكوميزو في اليابان على نطاق واسع ويُحتفى بذكره سنويًا بجائزة أدبية هي جائزة سيشي يوكوميزو لرواية الغموض غير المنشورة، التي تأسست في عام عام 1980. ويحظى الفائزون بمبلغٍ ماليّ مُجزٍ ودُمية لكوسوكي كيندايتشي، أشهر إبداعات يوكوميزو وأمضاها ذكرًا.
ترجمة: زينب محمد.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق