المشاركات الشائعة

الخميس، 5 سبتمبر 2019

موسوعة السرد العربي -د. عبد الله إبراهيم.

الكتاب الثامن (الأخير).
مؤمن الوزان.


الكتاب الأخير من الموسوعة فهو عن الرواية التاريخية أو ما قام بتسميتها د. عبد الله برواية التخيّل/ التخييل التاريخي.  لكي يتم تجنب الكثير من الإشكالات في المصطلح والنقاشات في تعريف الرواية التاريخية ووظيفتها وما مدى الدقة وصحة المعلومات التي يتم طرحها في الرواية أو تلك التي تمثل المراجع والمصادر التي استندت عليها الروايات. ويعرف هذا المصطلح بـ "يجوز القول بأنه المادة المستعارة من الماضي، وقد أعيد تشكيلها بواسطة السرد، فانقطعت وظيفتها التوثيقية، وأمست تؤدي وظيفة جمالية ليس من غايتها تأكيد أحداث التاريخ ولا إبرام عقد يجزم صدقها؛ فالتخييل التاريخي لا يحيل على حقائق الماضي، كما هي، ولا يقررها، ولا يروج لها، إنما يستوحيها بوصفها ركائز مفسرة لأحداثه…". من هذا المصطلح الجديد الذي يذكره الدكتور في مقدمته للكتاب الأخير، يُصبح مفهوم الرواية التاريخية العربية التي بدأت مع جرجي زيدان في القرن التاسع عشر ميلادي بحاجة إلى التجديد والتغيير، والتحول إلى مفهوم التخييل التاريخي أو ما سماها برواية التخيّل التاريخي- حيث الاعتماد على التخييل في نسج المادة التاريخية واستثمار التاريخ كخليفة أحداث وثيمة تحتضن العمل، بخطوطه العريضة ويبقى للكاتب الدور الذي من خلاله يقوم بتدوين وسرد اعتمادا على الخيال وأفكاره الخاصة في الكتابة. كذلك بقاء ما يسمى الرواية التاريخية، والاعتماد على المصادر التاريخية ونسج المادة الروائية بصورة كلية من التاريخ وإدخال العناصر الفنية لبُنية العمل الروائي، مع الوظيفة التوثيقية للتأريخ كوظيفة رئيسة للرواية التاريخية، وهو الأمر الذي قام به جرجي زيدان في رواياته، فهو كما يقول لا يريد أن تكون رواياته كتب تاريخ بنسقها وأحداثها وطبيعة سردها إذ ستصبح وقتها لا تفرق عن أي من كتب التاريخ، بل أن تكون وظيفتها تحبب الناس بالتاريخ وقراءته من خلال إعادة طرح المادة التاريخية في ثوب الرواية، فهو لا يريد رواياته نسخا من أعمال المؤرخين فوقتها سيصح العودة لها والاستشهاد بها كمصدر تاريخي. لكن يبقى السؤال هل سيحل مصطلح التخييل التاريخي المشكلة لهذا النوع الروائي "الرواية التاريخية"، التي أرى أن الرواية التاريخية هي أصعب الروايات التي تتناولها أقلام الكُتّاب، فهي محفوفة بالمخاطر لا يتجرأ للكتابة فيها إلا القلة. تتجلى صعوبة الرواية التاريخية إن الكاتب مطالب أن يقرأ المادة التاريخية ويتشبع بها فيكون جزءًا من عالم آخر لم تكن له اليد الطولى فيه وهو عكس باقي المجالات التي رغم صعوبة العمل الروائي إلا أن للراوي اليد العليا في خلق الأحداث والشخصيات والأفكار وأماكن وقوع الحدث وزمانه، كل هذه العوامل عدا الشخصيات يجد المغامر في كتابة الرواية التاريخية نفسه مجردا منها، فهو محاط بأحداث معينة وزمان ومكان معينين، فبدل أن يجعل شخصياته تلج لعالمه، يكون هو مطالبا بالدخول لروايته قبل شخصياته، حذرًا أشد الحذر من زلة قدم تودي به وبعمله إلى مسالك السؤال والفحص والنقد والكذب والتدليس. 
الأمر الآخر الذي يتوجب القيام به هو استنطاق كتب التاريخ، فعملية قراءة كتب التاريخ التي تؤلف مادته ليست كافية، فمهمته التالية هي كيف يُجلس التاريخ إلى طاولته ويبدأ سؤاله واستنطاقه وأخذ الجواب الصحيح من بين عدة أجوبة خاصة إذا كانت المرحلة يلفها الغموض وتشوبها التضاربات وقلة الأخبار المؤرخين وندرة الشواهد، وهنا بالضبط تكمن مهمة الروائي حين يجمع خيوط كثيرة لتكتمل الصورة أمامه ليعيد تشكيلها بأسلوب أدبي روائي يوضح لنا ما التهمته الظلمة في بطون كتب التاريخ العملاقة، فيخرج الروائي بعباءة المؤرخ مرتديا تحتها قميص الروائي الذي يحاول جهد إمكانه إبقاءه بعيدًا عن بصيرة القُرّاء، فمهتمه ذات خلفية تاريخية بواجهة رواية أدبية. وعلى الطرف الآخر نجد أن مهمة الروائي في العمل التخيّلي التاريخي تبدو أخف وطأة وأقل مسؤوليات من نظيره الذي يكتب الرواية التاريخية، لكن يبقى المفهوم هذا نوعا ما مضببا؛ فرواية التخييل التاريخي تعطي انطباعا بأن العمل يتناول مرحلة زمنية معينة ماضية ويعيد تشكيلها وفقا لرؤاه الخاصة للزمان والمكان والأحداث والشخصيات، وهنا سيبرز العمل كأنه مسخ تاريخي إن لم يُجِدْ الكاتب صنعته، وفي كثير من الأحيان ومنها الروايات التي طرحها الكاتب في هذا الجزء من الموسوعة  تعتمد على الأحداث التاريخية في صوغ أحداثٍ ثانوية في مسار الأحداث المهمة لحياة الشخصية الرئيسة في الرواية، مما يعني أن يستغل التاريخ (الحدث التاريخي الحقيقي) في صياغة (الحدث التاريخي التخييلي الروائي)، فهنا يتضح لنا أن التخييل/ التخيّل التاريخي لا يمكنه أن ينفصل بالتمام عن التاريخ أو حتى الرواية التاريخية، ويبقى تساؤل أخير ما هي فائدة العمل التخييلي التاريخي؟ أهو لمجرد إضفاء سمة التاريخية بأجواءها وإكراهاتها ومزاياها على العمل الأدبي، هذا التبرير يبدو أقل تصديقا إذا ما قابلنا برغبة الكاتب في إعادة صوغ التاريخ كما يراه هو، وإعاد تسليط الضوء على أحداث أو شخصيات لم تحفظ كتاب التاريخ عنهم الكثير أو قد يذهب إلى أنها قد شُوهت أو لم تنل ما تستحقه كما نجد شيئا قريبا لهذا في رواية هذا الأندلسي لـبنسالم حميش الذي تناول فيها سيرة الصوفي ابن سبعين، أو البحث في حقائق غير مكتملة الجذور والأصول كما في رواية سمرقند للروائي أمين معلوف، والتي دارت حول حياة الشاعر الفارسي عمر الخيام وقصة كتابة الرباعيات، إضافة للتفاعلات والتداخلات والأحداث لتلك الحقبة والشخصيات مثل نظام الملك والحسن الصباح. إذن فالتخييل التاريخي، هو استعارة التاريخ وإعادة استخدامه وتشكيله لأهداف تتجلى أثناء قراءة العمل. 
توزعت مادة الكتاب الأخير من الموسوعة من دراسات نقدية لأعمال أدبية تاريخية سواء أكانت الرواية التاريخية أو التخيّل التاريخي مثلت الشق الأكبر من الكتاب، والتي تنوعت ما بين كشوف تاريخية أو إعادة تشكيل أو سرد تاريخي تخييلي لأحداث دار عليها الزمن بدورته كما في روايات أمين معلوف ( رحلة بالدسار وبدايات وسمرقند وحدائق النور والحروب الصليبية كما رآها العرب). وروايات بسالم حنيش (العلامة وهذا الأندلسي ومجنون الحكم) والتي تناولت هذه الروايات فترات وشخصيات حرجة كمرحلة الضعف والسقوط للدولة الإسلامية في الأندلس وسيرة ابن خلدون والمتصوف ابن سبعين. في حين تناول في ثلاثية غرناطة لرضوى عاشور، مواضيع التاريخ والسرد واللاهوت، من خلال تحليل الثلاثية وربطها في سياقها التاريخي بعد سقوط غرناطة آخر ممالك المسلمين في الأندلس على يد الملكين فرديناند وإيزابيلا الكاثوليكيين وما تعرض له المسلمون بعدها من تنكيل وتقتيل وتهجير وتنصير. وفي روايتي يوسف زيدان عزازيل والنبطي كان التخييل التاريخي يعيد تشكيل تاريخ الأديان وما جرى من حوادث مهمة لها دورها في صياغة جزء من الصورة العقائدية المسيحية والإسلام. وتعددت المواضيع الأخرى المطروحة من تفكيك الهوية الطبيعية والتوثيق التاريخي في الأعمال التخيلية التاريخية كما في رواية ساق الغرب التي تناولت سيطرة الدولة السعودية الصاعدة في بداية القرن العشرين على جنوب شبه الجزيرة العربية وبالتحديد منطقة جيزان، وأما رواية بيروت مدينة العالم فهي عادت إلى القرنين التاسع عشر والعشرين من أجل البحث في بدايات وتطور ونشوء بيروت بعد أن كانت قرية صغيرة. الشق الآخر من الكتاب فهو دراسة عن النظرية الاستعمارية وما خلفته الحقبة الاستعمارية من آداب والتي عرفت بـ"الحقبة ما بعد الاستعمارية" -أو التي أُفضِّل تسميتها مرحلة ما بعد الاستقلال- وهي التي تدرس حال الأمم التي تعرضت للاستعمار والتي سعت إلى إعادة تشكيل هويتها وثقافتها ولغتها وصورت الأعمال الأدبية الصراع الذي كان نتيجة الاستعمار ما بين الأخذ بما انتجه الاستعمار أو إنكاره ونفيه وقطع الصلة به، هذه الأعمال التي أُنتجت في الحقبة الاستعمارية كُتب الكثير منها تحت إشراف المستعمرين أو من تأثر بهم، مما تأتّى عنه تهميش وإبعاد أي صوت آخر لا يوافق وينسجم بتناغم مع التركة الاستعمارية هذا الذي نتج عنه ما يسمى بدراسة التابع  Subaltern Study، هذه الدراسات التي سعت وعملت على تفكيك ما تم إنتاجه في حقبة الاستعمار أو بعد وحمل ذات الفكر الإقصائي أو الممجد للاستعمار، ولاقت هذه الدراسات صداها في الأمم التي تعرضت للاستعمار سواء في الشرق أو أفريقيا أو الهند، وانتقل التأثير إلى أميركا الجنوبية وأستراليا، والتي سعى فيها الباحثون إلى إعادة الصياغة والتشكيل لتاريخ الأمم دون إقصاء أو تهميش وإعادة كتابة للتاريخ المزيف وفقا لدراسات أنثروبولوجية ثقافية واجتماعية وتاريخية وسياسية ودينية، وإعادة تعريف هوية المُستَعمَر- لا تابع مخنوق أو معدوم الصوت إنما صاحب صوت رئيس ومسموع، له الحق في التعبير عن نفسه ورؤاه. وفي حين شكلت النظرة الاستعمارية الاستعلائية نظرة ازدراء للآخر ويتناول هذه النظرة في رواية روبنسون كروزو وقصة إرض العميان، اللتين تفضحان الرؤية الاستحواذية التي تطمح إلى السيطرة وإخضاع الآخر باعتباره كائن أقل من الجنس الأبيض واستعباده وتشييئه إلى خادم وعبد، يعمل في الأرض ويسير وفقا لما يراه المُتسَعمِر، الذي يسعى إلى طمس هويته وثقافته وإبعاده عن أي موقع يسمح له بتقرير أمره وأمر أرضه. الروايتان العربيتان اللتان تناولتا هذا الموضوع والتركة الاستعمارية في البلاد المستعمرة هما رواية خريطة الحب ورواية واحة الغروب، إذ كشفا عن التفكك الذي أنتجه هذا الاستعمار في الهوية المحلية والتشتيت والتمزيق لبُنية المجتمع، ومحاولات طمس لهُويته وثقافته ولغته واستبدالها بهُوية وثقافة ولغة مهجنات، وإلباسه إياها رغما عنها، هذا الذي أنتج حالات من التشوه وخلق طبقة شائبة سعت الروايتان إلى تصوير هذه الحالة من خلال التخييل التاريخي ودمجهما في التاريخ المحلي لمصر في حقبة الاستعمار وما بعده.
***
أما الكتاب التاسع والأخير من الموسوعة فهو خاص بالفهارس والمراجع والمواضيع التي طرحت في الموسوعة كوسيلة يرجع لها الباحثون ليسهل عملهم.


لتحميل قراءات الموسوعة كاملة عبر هذا الرابط:



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

افتتاح موقع قرطاس الأدب

  افتتحنا موقع قرطاس الأدب ويمكنكم قراءة آخر مقالاتنا المنشورة عبر موقع قرطاس الأدب