- ديفيد بونتر: أستاذ اللغة الإنجليزية في جامعة بريستول ، حيث يشغل منصب مدير الأبحاث في كلية الآداب. وقد نشر في الأدب الرومانسي بشكل واسع وحول الكتابة المعاصرة والنظرية الأدبية ، وفي التحليل النفسي بالإضافة إلى أربعة مجلدات من الشعر.
- ترجمة: بلقيس الكثيري.
- تدقيق لغوي: مؤمن الوزان.
المشاركات الشائعة
-
عنوان شاعري لكتاب أحد أعلام النقد الفرنسي في القرن العشرين رولان بارت، فما الذي توحيه لنا كلمة لذة أي شعور تبعثه فينا، أي أحساس تثيره؟ ...
الأحد، 31 مارس 2019
رواية عوليس للكاتب الأيرلندي جيمس جويس – ديفيد بونتر.
الثلاثاء، 26 مارس 2019
مفاهيم روائية 3 - مؤمن الوزان.
الميتا سردية:
ما ميّز رواية ما بعد الحداثة هو العمل على جعل القارئ يعلم أن ما يقرأه هو عمل تخييلي بحت، وليس هناك أي محاولة لإقناعه بواقعية العمل، العمل الذي بين يديك هو تخيّل فقط، حيث أصبح للسارد صوته الواضح الذي يسمعه القارئ، دون أي محاولة لإخفائه أو تماهيه في السرد. كما في الميتافكشن ما ما وراء القص Metafiction (هو شكل كتابة أدبية تؤكد بُنيته الخاصة بطريقة تجعل القارئ على علم تام بأنه يقرأ أو يشاهد عملا خياليا. والميتافكشن هو وعي الذاتي للغة والأدب من خلال الحكي القصصي والجذب المباشر أو غير المباشر لانتباه القارئ تجاه قضية أو فكرة معينة، والتي تستخدم في مواضيع ساخرة أو تهكمية أو أداة لتقويض الأسس المتفق عليها في الرواية، واستعراض العلاقة بين الأدب والحياة والجمال والفن) والميتا سردية* منحتنا ساردين يفكرون في كيفية إخبارنا بحكاياتهم وقد يكون هؤلاء الساردون هم الكُتّاب أنفسهم.
هذه الصفة الفنية السردية الجديدة في إعطاء الكاتب أو السارد حيزا ودورًا ملموسا في الرواية، من مميزات روايات ما بعد الحداثة التي جاءت بها الحقبة الجديدة من الرواية.
ويُبرز جيسي ماتز الفرق المفصلي بين الرواية الحديثة ورواية ما بعد الحداثة "هو أن الرواية الحديثة عملت كنافذة شفافة نطل منها على الوعي، أما الروائي ما بعد الحداثي اهتم بتوجيه بؤرته صوب المداخلات السردية نفسها".
وتعتبر الميتا سردية من السمات المهمة في رواية ما بعد الحداثة إضافة إلى التسنين المزدوج والسخرية التناصية.
ـــــــــــــ
*الميتاسردية "نص واعٍ يخاطب نفسه".(1) أو يمكن تعريفها أيضا بأنها نوع من الكتابة السردية، ذاتي الانعكاس، يتمثل في وجود تخييل فوق التخييل الأصلي، وتعليق النص على نفسه وطريقة سرده وهويته، أي إن النص يمتلك وعيا ذاتيا ويكسر الحاجز بين الواقع والخيال. يُنسب هذا المصطلح إلى الروائي والناقد الإنجليزي وليم غاس، حيث استخدمه في دراسة نقدية له ظهرت عام 1970. (2)
ــــــــــــــ
-
آليات الكتابة السردية - إمبرتو إيكو.
-
تطور الرواية الحديثة - جيسي ماتز.
الإكراهات:
بعد أن تحضر الفكرة وتختمر في ذهن الكاتب، فإن المرحلة التي تليها تتمثل في إكراهات يفرضها الكاتب على نفسه، فالكاتب يُحيط عمله بحدود يكتب في داخلها، ويُلزم نفسه بها، حتى يخرج عمله رصينا تاما خاليا من العيوب والأخطاء بأقصى الإمكانيات الممكنة، "يقول إيكو(1): من أجل أن تتقدم القصة، على الكاتب أن يقيد نفسه بإكراهات. وإن الإكراهات أساسية في كل عمل فني. إن الرسام الذي يقرر استعمال الزيت في عوض اللون المائي، والثوب عوض الحائط، يختار في واقع الأمر إكراها، والموسيقي الذي يختار إيقاعا أوليا، والشاعر الذي يغلق نفسه داخل قافية أو بحر شعري ما، يختار أيضا إكراها. ولا تعتقدوا أن الطلائعيين من الرسامين والموسيقيين والشعراء- الذي يتظاهرون بتحاشي هذه الإكراهات- لا يبلورون إكراهات أخرى، إنهم يقومون بذلك، ولكنهم لا يودون الاعتراف بذلك.".
ومن أمثال الإكراهات التي يلزم الكاتب نفسه بها:
1- إكراهات زمانية: إن اختار الكاتب عصرا ما أو زمنا معينا أو سنة معينة تجري فيها أحداث روايته، فإنه يرغم نفسه على الالتزام بهذا العصر والزمن، وأحداثه وعادات المجتمع وقتئذ، مما يجعل العمل أكثر صعوبة ويحتاج إلى جهود دراسية وبحثية لغوية واجتماعية وسياسية واقتصادية ودينية وأدبية وفنية. يقول إيكو(2): ومن بين الإكراهات التي فرضتها رواية بندول فوكو هي أن الشخصيات عاشت سنة 1968، وبما أن بيلبو كان يرقن ملفاته على الحاسوب -وهذا لا قيمة له في القصة، لأنه يوحي في جزء منه بطبيعته الهشة والتأليفية- فإن الأحداث الأخيرة يجب أن تدور بين سنتي 1983و1984، وليس قبل هذا التاريخ. السبب في ذلك بسيط: لقد دخلت الحواسيب الشخصية الأولى السوق الإيطالية سنة 1983 (أو عام 1982).
وهنا نرى أن إيكو فرض على نفسه سنة معينة تدور فيها أحداث روايته بندول فوكو، لذلك فهو مضطر لعدة تغييرات فرضتها عليه الإكراهات الروائية لمعالجة هذه المشكلة والتي وجد لها حلا خاصا بالطقوس السحرية كما اختار هذا الحل في روايته.
2- إكراهات سردية: وقد تبدو هذه الإكراهات من أكثر الإكراهات صعوبة والتي قد يقع الروائيون المبتدئون بأخطاء عند عدم الالتزام بالإكراهات التي يفرضونها على أنفسهم، وتتمثل هذه الإكراهات باختيار شخصية وجهة النظر، فإن كان السارد يتحدث بضمير الأنا (ضمير الشخص الأول)، فهو في هذه الحالة، سيكون مرغما على فقدان بعض المميزات التي ينالها السارد العليم كلي المعرفة، حيث يتم سرد الرواية وأحداثها من قبل ذاته فقط، فهو لا يمكن أن يخبر القرّاء ما الذي تفكر به الشخصية ب أو ما الذي فعلته بغيابه الشخصية ج بعد أن ذهبت إلى منزلها، حيث يجد نفسه محاصرا بوعيه وذاتيته، والخطأ الذي قد يرتكبه السارد بضمير الأنا هو إخبارنا أحداثا وقعت لكنها لم تكن في إطار معرفته أو حضوره، والذي سنبادر بالسؤال كيف عرف هذا؟ قد يلجأ بعض الروائيين لاستخدام تقنيات سردية مختلفة ومنوعة من أجل التغطية على أي عيوب قد تحصل أثناء السرد كتعدد الساردين أو تنوع أصناف السرد.
***
تتنوع الإكراهات الروائية حسبما يتعامل معه الراوي في عمله الأدبي، وتختلف من رواية إلى أخرى ومن راوٍ إلى آخر، لكن هذه الإكراهات رغم تنوعها وتعددها حتى في العمل الواحد، فإنها تبيّن مدى حذاقة ورصانة العمل في حالة إجادة الراوي في إتقان عمله على المستويات كافة، وكذلك فهي تبين مدى قلة خبرة الراوي، وعدم اهتمامه في عمله إن قام بوضع إكراهات لعمله لكنه يقوم بتجاوزها دون دراية أو بدراية!
ـــــــــــ
-
اعترافات روائي ناشئ - أمبرتو إيكو ص. 39.
-
المصدر السابق. ص. 40
السخرية التناصية:
وهي من المميزات الروائية الما بعد حداثية، حيث يقوم الكاتب أثناء السرد بالإحالة إلى أحداث وأقوال وشخصيات ذات طابع عالمي معروف، لكن سرعة ومستوى الإدراك لهذه الحالات يتوقف على مدى ثقافة وإطلاع وسرعة بديهة وذكاء القارئ.
يقول إيكو إن حالات السخرية التناصية مختلفة وهو ما يميز الأشكال الأدبية التي وإن كانت ذات طابع عالمي، فإنها تتخذ أيضا طابعا شعبيا: يمكن أن يقرأ النص قراءة ساذجة، دون استيعاب الإحالات التناصية، أو يقرأ مع الوعي بهذه الإحالات، أو في الأقل يجب البحث عنها. (1)
السخرية التناصية، تؤسس لإمكانية قراءة مزدوجة، لا تدعو جميع القرّاء إلى الوليمة ذاتها، إنها تنتقي، وتفضل القراء الحاذقين من الناحية التناصية دون أن تقصي القارئ الأقل تسلحا، فإذا صاغ مؤلفٌ شخصية تقول: A nous deux, Paris، فإن القارئ الساذج لا يتعرف على إحالة بلزاك، ومع ذلك يمكن أن ينحاز إلى شخصية منذورة للتحدي والبطولة. أما القارئ الفطن فسيلتقط المرجعية، وسيستمتع بالسخرية- وليس الإشارة التي يقوم بها تجاهه المؤلف فقط، ولكن أيضا آثار المهانة أو تحولات الدلالة (عندما يدرج الاستشهاد ضمن سياق مختلف عن الأصل)، إن الأمر يتعلق بالإحالة العامة على حوار متواصل بين النصوص. (2إن السخرية التناصية لا تمدنا بمستويين للقراءة فقط، بل لها علاقة بقدرته على أن يضعنا أمام أربعة معاني، أي المستوى الحرفي والمستوى الأخلاقي، والمستوى المجازي والمستوي الباطني (التأويلي)(3)
إن السخرية التناصية لا تكمن في قول نقيض الحقيقي، بل قول نقيض ما يعتقد المتكلم إنه حقيقي، فمن السخرية تعريف شخص غبي بأنه ذكي، ولكن فقط إذا كان المتلقي يعرف أن هذا شخص بليد، أما إذا كان يجهل ذلك، فإن السخرية لن تتحقق، ولا نقوم بسوى تقديم خبر زائف، وبناء عليه، فإن السخرية تصبح مجرد كذب. عندما لا يكون المتلقي غير واعٍ بذلك. (4)
ــــــ
-
آليات الكتابة السردية - أمبرتو إيكو ص. 136
-
المصدر السابق. ص. 137
-
المصدر السابق. ص. 137
-
المصدر السابق. ص. 155
التسنين المزدوج:
ويعني أن الكاتب الروائي أثناء كتابته الرواية فهو يخاطب فئتين من القرّاء القارئ المثقف والقارئ العادي، حيث عملت الأدب ما بعد الحداثي إلى إزالة الفوارق الطبقية الاجتماعية وألغت الأدب الموجه إلى نخبة معينة دون غيرها وعملت على إنكار التفريق بين ثقافتين مرموقة وواطئة، من خلال رفض أي تفريق جمالي بين الثقافتين كما يشير جيسي ماتز في كتاب تطور الرواية الحديثة، لكنها بذات الوقت احتفظت ببعض السمات التي لا يستطيع القراء جميعا إدراكها فيقول إيكو: "إن البناء أو العمل الفني الما بعد-حداثي يتوجه في الآن نفسه إلى أقلية نخبوية باستعماله سننا "راقيا" وإلى الجمهور العريض باستعماله سننا "شعبية". ويقول: أعترف أن المؤلف، وهو يستعمل تقنية التسنين المزدوج، إنما يؤسس لنوع من التواطئ الصامت بين القارئ المثقف والقارئ العادي الذي لم يلتقط هذا التلميح الثقافي، فإنه سيشعر أن هناك شيئا ما قد أفلت من بين يديه. ولكن لا أعتقد أن هدف الأدب هو التسلية والمواساة فقط. إن الأدب يبتغي أيضا التحريض على قراءة النص مرتين وأحيانا أخرى الدفع إلى قراءته مرات عديدة، ذلك أن القارئ يريد أن يفهمه فهما جيدا. لهذا أعتقد أن التسنين المزدوج ليس عادة أرستقراطية، بل هو، عند المؤلف، طريقة للتعبير عن احترامه لذكاء القارئ ونيته السليمة. يشبه التسنين المزدوج في اللغة العربية أسلوب التورية، حيث هناك معنى ظاهري يُفهم لأول وهلة وهناك معنى باطني هو المقصود.
***
تفرق السخرية التناصية عن التسنين المزدوج بأن السخرية التناصية تستخدم قول مؤلف آخر أو شخصية معروفة وإدراجها ضمن نص آخر لأغراض تهكمية أو ساخرة أو إحالات ذات دلالة معرفية أو إخبارية، بما يخدم النص الجديد، أما التسنين المزدوج فهو أن يكون النص الواحد ذو مستويين من المخاطبين في الأدنى، مستوى يُفهم من أول قراءة ومستوى آخر يحتاج إلى استذهان وقراءة النص بتأمل وتأنٍ من أجل الوصول إلى المعنى الذي يوده المؤلف، ولكن ما تتشابه به السخرية التناصية والتسنين المزدوج أنهما بحاجة إلى قارئ حذق وفطن ليستمتع بالقراءة كما أراد المؤلف، بينما القارئ الساذج يفوته الكثير ويبقى على سطح النص دون الغوص إلى أعماقه وجني لآلئه.
المراجع:
1- علم السرد - يان مانفريد. ترجمة أماني أبو رحمة.
2- تطور الرواية الحديثة - جيسي ماتز. ترجمة لطفية الدليمي.
3- اعترافات روائي ناشئ - أمبرتو إيكو. ترجمة سعيد بنكراد.
4- آليات الكتابة السردية - أمبرتو إيكو. ترجمة سعيد بنكراد.
5- تقنيات الكتابة الروائية - نانسي كريس. ترجمة زينة جابر إدريس
6- كتابة الرواية من الحبكة حتى النشر - لورانس بلوك. ترجمة د. صبري محمد حسن
7- صنعة الرواية - بيرسي لوبوك. د. عبد الستار جواد
8- الفن الروائي - ديفد لودج. ترجمة ماهر البطوطي.
مفاهيم روائية 2 - مؤمن الوزان.
الحبكة:
الحبكة تمثل جوهر الرواية وروحها والمحور الرئيس فيها، حيث تتصاعد الأحداث حتى تصل للذروة، وتكشف الحبكة الروائية عن مؤثراتعناصر الرواية والتغييرات في الأحداث. فوفقا لأرسطو فإن الحبكة تمثل تأثير حدث في آخر وترابطها، أو ما يمكن أن نسميه بالسببية، ولايمكن إطلاق الحبكة على أي حدثين أو أكثر متتابعين، فكأن: تقول استيقظ سمير في الساعة السابعة صباحا. وتناول فطوره بعدها. فليسهناك أي حبكة في هذين الحدثين، لكن بقولك: استيقظ سمير صباحا بعد أن قام بضبط منبه ساعته على السابعة، لأن بانتظاره عمل شاقمع صديقه أحمد وموعد في التاسعة مع مدير الشركة التي ينوي العمل فيها، تناول فطوره ثم خرج بعدها. فالحبكة هي في أسبابالاستيقاظ مبكرًا وترابط الحدثين الاستيقاظ المبكر مع العمل والموعد، وهنا يمكن أن نعرف الحبكة بصورة مبسطة هو تداخل الحدثين فيشريط مكاني وزماني واحد أو أكثر، يكون تأثير أحدهما في الآخر واضحا. ويختلف تعقيد الحبكة اعتمادا على السير العام لأحداث القصةأو الرواية، لكن تبقى الحبكة أكثر مرونة وأكثر عمقا من تعريفها أو تحديدها في تعريف، فقد تأتي بصور وأشكال لم يسبق أن عرفناها،وتختلف من شخص لآخر وفقا للمعايير التي يضعها للتعرف عليها أو في دراستها.
يعمل بعض الكتّاب على إذابة الحبكة في المتن القصصي دون أن يُبرزوها بشكل واضح وجلي، وهي إثبات على مرونة الحبكة وتماهيها معالثيمة والإطار الكلي والشامل من القصة أو الرواية، والتي من الممكن أن تكون هناك أعمال بلا حبكة، لكنها تؤدي الغرض المراد منها، فكمايتم تعريف الحبكة وفقا للكلمة الإنجليزية Plot وهو الزيادة عن طريق الإضافة المتدرجة، فإن الحبكة تعتمد في الأساس على الاستمرارية،فحياة الإنسان مهما كانت هادئة أو صاخبة، فإن شريط العمر الذي ينتهي مع الموت، يكون ذا حبكة معينة تختلف حسب درجة التعقيدوالصراع والمشاكل والانقلابات الفكرية والتغييرات التي تطرأ على المرء في حياته. فالحبكة متماهية مع وجود كل منا، ومن ثمَّ على الكاتب أنيعرف ما هي الحبكة أهي تطور وتصادم وصراع في الأحداث والشخصيات والجو العام لمؤلَفه -سواء أكانت واضحة جلية أم متماهية خفية- أم هي إثارة للقارئ وجعل القارئ بدل أن يحاول كشفها أو البحث عنها أن يشترك فيها ويعيشها ويكون جزءا منها بل يكون هو الحبكة، منخلال ما يطرحه الكاتب أو يبعثه من رسائل -خفية أو جلية- أم عليه أن يجمع الاثنين: حبكة تكتب في العمل وأخرى يُجبر القارئ علىخوضها. وهنا تبرز قيمة الأدب وفعاليته في الانتقال من عالم الورق إلى عالم الواقع وتأثيره في أفكار وتوجهات القارئ.
***
وتعرض مفهوم الحبكة في الرواية الحديثة إلى تغييرات، فلم تعد الحبكة تعني تغييرا في المواقف والشخصيات، بل أصبحت في مدى الحفاظعلى الأفكار والتوجهات، والرغبات، وعدم التخلي عما تروم إليه أو تؤمن به الشخصية. يقول جيسي ماتز: "فقد باتت الشخصيات في الغالبتنتقل من طور التناغم إلى طور التمرد الذي ينتهي في العادة لا بالتكامل السعيد مع المجتمع، بل بالرفض الواسع -والمدمر أحيانا- للمجتمع".
وأما في رواية ما بعد الحداثة فإن الحبكة أضحت مهشمة ومرتبطة في النظرة الجديدة لهذا الواقع الذي يبدو أكثر دقة في تناول العاديوالارتقاء به إلى اللا عادية، والتعبير عن الحياة اليومية العادية بصورة أكثر عمقا وإضفاء بعدٍ حيوي يجعل القارئ يشعر بالواقعيات بصورةأكثر دقة.
***
الشخصيات في الرواية:
الشخصية هي مركز الحبكة في الرواية وعليها تُنبى الأحداث، ولكل شخصية صفاتها المعينة والتي من خلالها يُمكن صياغة الأفعالالأقوال الأفكار، حتى لا يكون هناك أي تناقض أو مفارقة بين الصفات التي تم وضعها للشخصية وتطور الشخصية والحدث.
أسماء الشخصية: في مرات كثيرة يكون الكاتب مجبرًا على اختيار أو حتى اختراع أسماء جديدة من أجل أن يُعطي الاسم أبعادًا أخرىترتبط بالحبكة أو بمدلول ما، لذلك العلاقة بين الدال والمدلول التي تقوم بعض الأسماء بقيادة القارئ إلى حقل معرفة ومعنى لا يُمكن للكاتبأن يذكره بوضوح لكنه من خلال الأسماء يُوحي بها ويُدرجها في بُنية عمله الروائي.
أنواع الشخصيات:
تتغير الشخصيات تغييرا تصاعديا أو تنازليا، وتتقلب في وجهات النظر أو في أسلوب الحياة أو الصفات، من خلال التأثر بالمحيط أو نتيجةلتأثير الأحداث والمشاكل النفسية أو الحياتية أو العاطفية في الشخصية. وطرق التغيير، تعتمد على الكاتب وطريقة حبكه للتغيير الذي يطرأعلى الشخصية نتيجة تفاعلها مع المحيط الخارجي والحياتي من خلال الحوار أو الأفكار أو التفسير أو الأفعال. وقوس التغيير هو نقطةالتحول الرئيسة في القصة.
ومن أنواع هذه الشخصيات الروائية:
1- شخصية ثابتة لا تتغير.
2- شخصية تتغير تصرفاتها وفقا للظروف المحيطة لكن تبقى ثابتة الهدف.
3- شخصية متغيرة أو متعددة الأهداف.
4- شخصية مضطربة لا تعرف ماذا تريد.
5- شخصية ذات هدف واحد.
الشخصيات التخييلية:
ما الذي يدفع القارئ أن يتعاطف مع مدام بوفاري أو أن تُستثار دموعه لمصير آنا كارنينا في الوقت الذي لا يتعاطف مع ملايين الناس الذييلقون حتفهم لأسباب كثيرة في هذا العالم، أو أن يستذكر شخصيات روائية تخييلية كشخصية شارلوك هولمز وينسى شخصيات حقيقيةأخرى؟ وهو سؤال مهم يقوم على عدة أسباب يجيب عنها إيكو في كتاب اعترافات روائي ناشئ:
- يقول ألكسندر دوماس: "فمن مميزات الروائيين أنهم يخلقون شخصيات تقتل شخصيات التاريخ. والسبب في ذلك أن المؤرخين يكتفونبالحديث عن أشباح، أما الروائيون فيخلقون أشخاصا من لحم وعظم".
- تقوم بعض استراتيجيات الرواة على خلق دراما تستدر دموع الجمهور. وأن ظاهرة التعاطف لا تمتع بقيمة وجودية أو منطقية، ولا يمكن أنتثير اهتمام أحد عدا السيكولوجيين. ويضيف إيكو إذا كنا نتماهى مع الشخصيات التخييلية ومع مصائرها، فإن سبب ذلك يعود، وفقمواضعات سردية، إلى أن نهيئ أنفسنا داخل عوالم ممكنة لقصصهم، كما لو أنه عالمنا الواقعي. وإن عملية انتزاع دموع قارئ ما لا تعودفقط إلى المميزات التي تتوفر عليها الشخصية التخييلية، بل أيضا إلى العادات الثقافية للقراء، أو العلاقة القائمة بين انتظاراتهم الثقافيةوالاستراتيجية السردية.
- الأنطولوجيا ضد السميائيات: يقول إيكو لا أهتم بأنطولوجيا الشخصيات التخييلية. فلكي يصبح موضوع ما موضوعا لدراسة أنطولوجيةيجب اعتباره موجودا في استقلال تام عن كل ذهن يفكر فيه. وسبب حزننا على موت شخصية تخييلية كآنا كارنينا، لن يكون بمستطاعيتبني وجهة نظر أنطولوجية، وأنا مضطر للنظر لآنا كارنينا باعتبارها موضوعا ذهنيا، موضوعا للمعرفة. ولا تعد مقاربتي من طبيعة أنطولوجية،بل هي من طبيعة سيميائية: فما يهمني هو معرفة ما المضمون الذي يتطابق في نظر قارئ مؤهل، مع التعبير "آنا كارنينا" خاصة إذا كانهذا القارئ يسلم بأن آنا كارنينا لم ولن تكون أبدا موضوعا له وجود مادي.
- إثباتات تخييلية ضد إثباتات تاريخية: في الوقت الذي قد نشكك في موت هتلر في مخبأ أرضي، لكننا لا نشك أبدا بموت آنا كارنينا،ويضع إيكو هذه المقابلة على محكين هما الشرعية التجريبية الخارجية والتي من خلالها نطلب دليلا على موت هتلر في مخبأ أرضي، وعبرالشرعية التجريبية الداخلية (بالمعنى الذي لا يلزمنا بأن نستخرج من النص ما يثبت ذلك)، واستنادا إلى هذه الشرعية، سننظر إلى من يؤكدلنا أن آنا كارنينا تزوجت من بيار بيزيخوف* بأنه أحمق، أو في الأقل ليس مطلعا على الأمور بما يكفي، في حين نسمح لشخص ما أنيشكك في موت هتلر.
***
ــــــــــــــ
*شخصية في رواية الحرب والسلم لتولستوي.
الزمن:
الزمن في الرواية يعتبر من العناصر المهمة والرئيسة في عرض القصة وسرد الأحداث، وكان الزمن في الرواية عند ظهورها يعتمد علىالتسلسل الزمني (كرونولوجي) التتابعي المستقيم دون أي تلاعب في الخط الزمني للقصة لكنه شهد في الرواية الحديثة ورواية ما بعدالحداثة تغييرا، حيث لم يعد هناك خط زمني تتابعي، بل أصبح الزمن عبارة عن قطع مجزأة يقوم الكاتب بترتيبها وفق ما يراه مناسبا لروايته،مستخدما تقنيات متعددة كالاسترجاعية Flashback والاستباقية Flashforward، والتنقل الزمني اعتمادًا على الذاكرة ما بين الحاضروالماضي والمستقبل "تنبئًا أو توقعًا". ومن المعضلات التي واجهت الرواية الحديثة كما يذكر جيسي ماتز في كتاب تطور الرواية الحديثة،تمثلت بعنصرين رئيسيين هما التعامل مع الزمن والمكان، فالزمن ليس باعتباره خطا تتابعيا واحدا (كرونولوجي) كما اعتادت الروايات أنتستخدمه، بل من خلال التعامل معه بطريقة مغايرة تشمل عدم الترتيب والقفز وإعطاء بعدٍ حيوي يضفي للزمن خصائصه سواء عند التعاملمع الماضي أو الحاضر، والتركيز على الصعوبات في سرد الأحداث الماضية بصورة زمنية منتظمة ومتسلسلة وأفضل مثال على هذاالتحديث الزمني في الرواية هي رواية البحث عن الزمن المفقود للروائي الفرنسي بروست الذي يُبيّن: "كيف أن الاستذكارات الواقعية أوالاسترجاع الحسي للماضي- يعتمد على جهد شخصي مكثف أكثر مما تواضع الناس عليه من قبل". وتعد هذه الرواية أهم الروايات التيأعطت للزمن قيمته وبيّنت مدى صعوبة الحديث عن الزمن الماضي دون أن يقع صاحب الحدث بأخطاء في سرد الأحداث بتتابع أو التداخلالزمني بين الأحداث أو اسقاط حدث دون انتباه. وهذا ما يتم التعامل معه بخصوص الذاكرة أيضا، إذ أصبح من الزيف أن تتعامل الذاكرةمع الأحداث بصورة منضبطة بزمن خطي صارم، دون مشكلات في التذكر أو التسلسل، ما قامت به الرواية الحديثة هو التعامل مع الزمنبصورة أكثر واقعية مما كان عليه في الرواية وقت نشوئها. والتأكيد على تنافر الزمن الشخصي الداخلي مع الزمن الجمعي العام السائد.
تعد الكتابة عن الزمن الماضي أو الكتابة عن المستقبل محصورة في إطار الحاضر الذي نكتب عنه، فحين يكتب كاتبٌ ما في القرن العشرينعن رواية تدور أحداثها في القرن التاسع عشر، فمهما بلغ اهتمامه بها سيبقى أمام معضلة الكتابة عن هذا الزمن بعناصر عصره، ولا يمكنهبحال من الأحوال أن يكتبها بلغة ورؤية كاتب في القرن التاسع عشر، قد يقرأ القرن التاسع عشر بصورة أفضل من الكُتّاب الذي عاشوا فيه،ولكنه سيبقى حبيسا في طريقة قراءته النابعة من الزمن الحاضر. ولا يختلف الأمر كثيرا عند الكتابة عن الزمن المستقبل، تبقى التنبؤاتوالتطلعات وفقا لما بين يدي الكاتب من معلومات وقراءات مستقبلية علمية أو سياسية أو اجتماعية، إلخ، لكن يبقى السؤال ما مدى دقة أوصحة حدوث ما كتب؟ هذا ما لن يعرفه الكاتب الذي يحاول أن يسبق زمنه.
***
من تقنيات التعامل مع الزمن الروائي:
الاسترجاعية، الاستذكار (الفلاش باك Flashback): وهي تقنية عرض الأحداث التي وقعت قبل القصة الآنية التي تسرد، وهي تكون إماأحداثا خارجية، قبل الخط الزمني الرئيس للقصة. وإما تكون جزءا من أحداث القصة الآنية التي تسرد، مرت دون أن يعرضها السارد، أويضيف معلومات حولها للقارئ، فهو يؤجل طرح هذه المعلومات حتى حد معين في الخط الزمني للقصة ثم يعود لاستذكارها فيما بعد.
الاستباقية (الفلاش فورورد Flashforward): وهي تقنية عرض الأحداث المستقبلية قبل موعدها الصحيح. وتتضمن اللقطة الاستباقية الخارجية حدثا وقع بعد انتهاء خط القصة الأساسي. أما اللقطة الاستباقية الموضوعية أو استباق الحدث (استشراف الحدث) المتيقن فإنهاتعرض حدثا سوف يحدث فعلا. في حين أن اللقطة الاستباقية الذاتية أو استباق الحدث غير المؤكد ليس أكثر من رؤية الشخصية لحدثمستقبلي محتمل. (1)
تعد هاتان التقنيتان في السرد المعتمد على تقطيع الزمن استباقا أو رجوعا، من أكثر التقنيات شيوعا لدى الروائيين، وتكاد لا تخلو رواية لاتستخدم هذه التقنية بصورة أو بأخرى. ويسمى الانحراف عن التتابع الميقاتي في القصة بالمفارقة الزمنية التي تعتمد على تقنيتيالاسترجاعية والاستباقية.
***
زمن القصة وزمن الخطاب
زمن القصة: هو الزمن التخيلي الذي تستغرقه الواقعة الفعلية، وبصورة أكثر شمولية، الذي يستغرقه الحدث كله. ولتحديد زمن القصة، فإنالمرء يستند عادة إلى مظاهر سرعة سير النص، والحدس، والتلميحات النصية الداخلية. (2)
زمن الخطاب: هو الوقت الذي يستغرقه القارئ لقراءة القطعة في المتوسط أو بشمولية أكثر: فإن زمن الخطاب لكل النص يمكن أن يقاسبعدد الكلمات، الأسطر، أو الصفحات للنص.(3)
زمن المضارع التاريخي (مقابلة الزمن الماضي بالحاضر): هو تقنية توظيف الزمن الحاضر عند السرد القصصي لأحداث وقعت فيالزمن الماضي، ومن الأمثلة عن هذا القص: خرجت أمس عائدا إلى المنزل فإذا بلص يركض تجاهي بسرعة ويخطف من يدي حقيبتي،ولحسن حظي أني نسيت أوراقي المهمة ومحفظة نقودي على منضدة المكتب.
استخدام الفعل المضارع: يركض، يخطف، المضارعان في وصف حدث وقع في الماضي.
***
يقوم بعض الروائيين على التعامل مع مدة زمن الحدث بصورة دقيقة جدا، فمثلا لو أراد سرد حوار بين شخصيتين يمشيان لمسافة كيلو مترواحد، فهنا يقوم بحساب المدة الزمنية التي يقطعان فيها هذه المسافة، وبناء على الزمن المقطوع، يحسبان الكلمات والجمل التي يجب عليهسردها والتي تتماثل مع المدة الزمنية التي يتم حسابها، فمن غير المنطقي أن يجعل الكاتب الزمن المقطوع لكيلو متر يستنفد في حوار لايتجاوز الدقيقة الواحدة، ومما يذكره إيكو في حديثه عن رواياته بأنه كان يحسب المدة التي تقطع فيها شخصياته الممر من أجل أن يكونالحوار بينهما مطابقا للمدة الزمنية الفعلية التي يتم استغراقها، وقد يلجأ بعض الروائيين إلى تبطيء الزمن أو تسريعه حسب أهمية الحدثأو ثانويته، ومراعاة الفرق بين زمن وقوع الحدث وزمن سرد الحدث، فعند وقوع حدث لا يتجاوز العشر ثوانٍ فنحن بحاجة إلى دقيقة أو أكثرفي سرد الحدث، إذ زمن السرد يكون أبطأ من زمن وقوع الحدث، هذه المهارات والتقنيات في التعامل مع الزمن في الرواية وزمن السردتحتاج إلى دربة الكاتب وذكائه وفطنته وتعامله السليم والحذق معهما.
ـــــــــ
- علم السرد - ص. 117
- علم السرد - ص. 119
- علم السرد - ص. 118
افتتاح موقع قرطاس الأدب
افتتحنا موقع قرطاس الأدب ويمكنكم قراءة آخر مقالاتنا المنشورة عبر موقع قرطاس الأدب
-
عنوان شاعري لكتاب أحد أعلام النقد الفرنسي في القرن العشرين رولان بارت، فما الذي توحيه لنا كلمة لذة أي شعور تبعثه فينا، أي أحساس تثيره؟ ...
-
رواية عوليس كتبها الروائي الأيرلندي جيمس جويس، ونُشر الكتاب كاملًا لأول مرة في عام 1922. تعتبر الرواية عمومًا قطعة فنية نادرة من حيث...
-
يقول محمد حسين هيكل في مقدمة الرواية في طبعتها...