رواية سيدات القمر للروائية العمانية جوخة الحارثي، صدرت بالعربية عام ٢٠١٠، وترجمتها مارلين بوث إلى الإنجليزية تحت عنوان أجرام سماوية Celestial Bodies. من صنف الروايات الاجتماعية، وتدور أحداثها في قرية العوافي حول أسر عمانية على مدى ثلاثة أجيال من عام ١٨٨٠ إلى الوقت الحاضر، والظروف التي تمر بها نتيجة للتغيرات الاجتماعية إبان تحول عمان من مركز لتجارة الرقيق إلى منتج للنفط.
مع صعوبة تلخيص الأحداث بسبب غياب التسلسل الزمني والتركيب المعقد نوعًا ما للرواية؛ فالسرد متناوب بين صوت السارد العليم وصوت عبدالله رجل الأعمال الذي هيمنت عليه قسوة والده في الماضي ليقع أسيرًا لها في حاضره.
قصص متداخلة لمجموعة منوعة من الشخصيات التي قد يبدو عددها مربكًا حيث تجاوز الخمسين، كما أن ظهورها لم يتبع رتمًا معينًا. فهناك عزان عاشق البدوية الفاتنة نجية (الملقبة بالقمر) وزوجته سالمة وبناته الثلاث (سيدات القمر): ميا الساكنة الهادئة، وأسماء القارئة الواعية، وخولة المتأنقة الجميلة، وابن عمهن ناصر الذي ابتلعته موجة الحضارة الكندية ثم قذفته إلى أرضه، فعاد ولكن بعد فوات الأوان.
وهناك التاجر سليمان وزوجته الراحلة فطوم، وابنه عبدالله وابن عمه مروان الملقب بالطاهر والذي مات منتحرًا تحت ضغوط الشعور بعقدة الذنب. وذرية عبدالله من بعد: محمد وسالم ولندن وصديقتها حنان. وهناك ظريفة حظية التاجر سليمان وسريته التي عاقبها بتزويجها لعبده حبيب، فانجبت سنجر الذي اقتفى أثر والده وفر من رق العبودية إلى الكويت، والقاضي يوسف وزوجته مريم وابنهما عبدالرحمن، وعيسى المهاجر مع عائلته إلى مصر، وزيد اللعوب وزوجته مسعودة وابنتهما شنة، والمتسول منين وابنه الضابط زايد.
فشلت قصة حب أحمد ولندن، وناصر وخولة وانتهت كلتاهما بالطلاق، وكأن الكاتبة توعز إلى أن الحب ليس كل شيء في قوام العلاقة وثباتها؛ وهناك ما هو أكبر من الحب.
قد تبدو قصصًا عادية من حب فاشل، وتعنيف أسري، وعادات وتقاليد متأصلة تحدث أو محتملة الحدوث في أي مجتمع عربي، ولكن الصورة المغايرة وغير المتكررة هنا التطرق إلى العبودية التي كانت موجودة في عمان عام 1970، بما فيها من تمايز طبقي بغيض، وكيف تناولت الكاتبة جوخة علاقة العبيد بساداتهم في ذلك الوقت الذين كانوا يحرمون عليهم حتى مجرد التسمي بأسماء سادتهم، ومشاعر الغضب والتوق للحرية متمثلة في حبيب وابنه سنجر.
ألمّت الحارثي بتوليفة من الجوانب الأساسية المكونة للمجتمع العماني في ذلك الوقت، فمن الجانب السياسي ألمحت إلى تقسيم البلاد بذكرها لاتفاقية السيب بين سلطان مسقط الذي كان يحكم إقليم الساحل وإمام عمان الذي كان يحكم إقليم الداخل. ومن الجانب الاقتصادي تحدثت عن المتاجرة بالعبيد من أفريقيا، والتهريب والقرصنة.
ونال الجانب الاجتماعي النصيب الأكبر من الرواية حيث تطرقت الكاتبة إلى بعض الخرافات والأساطير المنتشرة آنذاك نتيجة للجهل، وأضفت لمسات شعبية خاصة بالشعب العماني بنقل شيء من عاداتهم والأمثلة الشعبية المتداولة بينهم.
ومن جماليات النص الصوت الشاعري الذي أضافته الكاتبة عبر تضمينها أبيات من الشعر العربي التي لوّنت بها النص من قصائد المتنبي ومجنون ليلى وابن الرومي وغيرهم.
الجدير بالذكر أن النسخة الإنجليزية لهذه الرواية فازت بجائزة مان بوكر العالميّة لعام 2019، لتكون أول رواية عربية مترجمة تفوز بهذه الجائزة، ثم تُحدث جدلًا واسعًا حول معايير الاستحقاق الأدبية من جهة، ومن جهة أخرى يرى بعض أن المحتوى خرج عن حدود الآداب العامة بما يتنافى مع مجتمع عمان المحافظ كما في علاقة عزان بعشيقته نجية، وحادثة اغتصاب مراهقين لعدد من المعلمات.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق