(ملحمة أرتورو بانديني)
الكتاب الأول.
مؤمن الوزان.
هي الرواية الأولى من رباعية جون فانتي الروائي والقصصي والسيناريست الإيطالي-الأمريكي. وتعد رباعية جون فانتي على نطاق واسع أعظم رواية كُتبت عن الحياة في لوس أنجلوس. ونشرت الرواية الأولى (انتظر حتى الربيع يا بانديني) سنة ١٩٣٨؛ لكنها لم تحظَ بالصدى الذي تستحقه، وبقيت رواياته على رفوف المكاتب يملأها الغبار حتى أعاد اكتشفاها الكاتب تشارلز بوكوفسكي من خلال قراءته لرواية "اسأل الغبار" الرواية الثالثة من ملحمة أرتورو بانديني.
قصة الرواية:
تدور الرواية عن سفيفو بانديني الأمريكي ذي الأصول الإيطالية، والّذي يعمل بنّاءً، صاحب العائلة، والذي يواجه مشاكل عدة، بسبب قلة مصادر دخله وقلّة العمل، والتي تضطرّه إلى الخيانة الزوجية.
١- عائلة بانديني.
تمثل عائلة بانديني محور الرواية الرئيس، إذ مثّلت الأم ماريا الكاثوليكية الملتزمة الواجهة الدينية للعائلة الإيطالية، والأبناء الثلاثة- آرتورو وأُغست وفدريكو- الدور الذي من خلاله عبّر فانتي عن مشاكل عدة تمثلت في مشكلة التأقلم مع المجتمع، بسبب أصول العائلة الإيطالية داخل المجتمع الأمريكي، والفاقة التي شكلّت للعائلة مشكلة في عيش حياة جيدة، والصراع النفسي بسبب التأثر الديني والمتمثّل في مواقف عدة مع آرتورو، التعصب الديني والالتزام الذي مثّله أوغست.
٢- ثنائية (الزوج - الأب).
بانديني بصفته زوجا لم تكن علاقته مع ماريا علاقة جيدة أو حتى طبيعية، فهذه العلاقة قائمة بين امرأة متدينة مهتمة بأسرتها وأب يعاني في كسب رزقه، وبذات الوقت روحه مفعمة بالحياة والنشاط، فيصل لمرحلة من العلاقة مع زوجته تكون فيها عاجزة عن المنح، نتيجة الحياة الزوجية ذات الطابع الثابت. ولبانديني الأب علاقته مع أبنائه، وهي علاقة ضبابية غير واضحة المعالم، لكن تأثيره في ابنه آرتورو واضح وجلي، إذ الأب بالنسبة لأرتورو رغم طباعه السيئة وعدم المحافظة على الأسرة باعتباره ربّها؛ يبقى هو الشخصية التي يطمح أن يكونها حين يكبر، ويقف على الدوام مع أبيه ضد أمه، ويرى فيه نفسه مستقبلا، طامحا إلى تكرار ما يفعله أبوه أن يحب كأبيه لكن دون أن يكرر خطأ الأب -الحب خارج الأسرة؛ وإن لم يكن يحب بانديني-، أما أوغست فتظرته لأبيه نظرة دينية وينظر إليه من المنظور الكنسي الذي يجب أن يلتزم به الأب.
٣- كلاسيكية مرحلة.
صوّر جون فانتي في روايته هذه الجانب الزمني والمكاني للرواية حيث عبَّر عن كلاسيكية مرحلة مهمة في حياة الإيطاليين المهاجرين إلى أمريكا وخاصة في الربع الأول من القرن العشرين، حيث كانت تعصف بأوروبا نيران الحروب والحالة الاقتصادية السيئة والتشتت السياسي وقمعية السلطة. وقد صُنِّف من عظماء روائي القرن العشرين في أمريكا. ويتماز أسلوبه بالواقعية- الأدب الواقعي-.
أسلوب السرد.
أولا:
أسلوبه الرواية السردي، ينتقل من أسلوب الروائي المحيط بكل التفاصيل التي يرويها (سرد الحكي غير المتجانس)، إلى سرد بلسان الشخصية، كأن تكون تساؤلات أو تأملات أو أفكار أو الانتقال من الحاضر إلى الماضي (الاستراجاعية) أو من الحاضر إلى المستقبل (الاستباقية)، لكن دون أن يحدث خلل بالسرد، أو تنافر بين الجمل وأسلوب عرض الحدث. وتشعر أن راوي القصة يتنقل من خارج ذات الشخصية إلى داخلها، يحيط بفعلها، ويدخل إلى تفكيرها، يروي السؤال، يعرض الحدث من عالمين داخلي وخارجي متزامنين ومنفصلين عن بعضهما ولكل مساره لكنهما يسيران باتجاه واحد دون أن يتصادما.
ماريا، ماذا فعلتِ بسفيفو بانديني؟ ماذا فعلت بوجهي؟ (حديث داخل نفس الشخصية، عالم داخلي)
يمضي رجل مربوع القامة متعثرًا، يغطي الثلج أكتافه وذراعه. (سرد الحكي غير متجانس، راوٍ يعرف تفاصيل قصته، عالم خارجي).
ثانيا:
الانتقال من الحدث الحاضر إلى الماضي (الاسترجاعية Flashback)، دون تضارب زمني، أو فاصل ما بين الزمنين، فكأن الحاضر والماضي يجريان في خط مستقيم واحد، فيعود لرواية حدث ماضٍ مرتبطٍ بحاضر يرويه، وكذلك الانتقال من الحدث الحاضر إلى المستقبل (الاستباقية Flashforward)، فتبدأ الشخصية بالتفكير في المستقبل أو كيف سيكون الوضع في قادم الأيام -سواء كان تخيل أو توقّع- فتعيش حدث لم يأتِ داخل حدثٍ جارٍ، وكذلك بإلغاء الفواصل الزمنية بين حاضر معلوم ومستقبل مجهول؛ لكن الخط الزمني معلوم، يتنقل بينهما وفق ما يتطلبه الحدث أو فكر الشخصية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق