المشاركات الشائعة

الجمعة، 17 يناير 2020

أكبر سنًا وأكثر حكمة؟ - داريل ديلاميد.


أن تصبح مولعًا بالأبطال "كبار السن".
للتقدّم في العُمر أطوار شتى، كل طور منها يثير القلق أكثر من سابقه. في مقدمة ذلك تلقي دعوة من  رابطة الجمعية الأمريكية للمتقاعدين. الأمر ليس سيئًا جدًا لأن الجمعية الأمريكية للمتقاعدين تدعو الأشخاص في سن الخمسين. يلي ذلك طور الحصول على تذاكر كبار السن في السينما. يمكن أن يحدث هذا في سن الثانية والستين، أو الخامسة والستين، لكنه يحدث في وقت أقرب مما تظن.
ومؤخرًا واجهتُ مشكلة غير متوقعة بتاتًا؛ توجد الكثير من الروايات -أو في الأقل كثير من الروايات التي تجذبني شخصيًا- يكون بطلها رجلًا يقترب من السبعين، أو في عقد السبعين من العمر. وأدركت مع بعض التوجس أنني أتعلق بهذه الشخصيات، والذين غالبًا ما يصورون على أنهم منبوذون، إن لم يكونوا رُجعيين، يطاردهم الندم ونذير الموت.
وهذا لا يعني غير أنها مثيرةٌ للإعجاب.
قرأت رواية هينينغ مانكل  "ما بعد الحريق[1]" لأني كنت أحب بطل رواياته كورت  فالندر[2]. في الرواية يعيش فريدريك ويلين في معزل على جزيرة صغيرة مقتربًا من سن السبعين بعيدًا عن ابنته بعد تقاعده الذي تلا إخفاقه في إجراء عملية جراحية.
يستيقظ في إحدى الليالي ليجد النيران تشتعل في منزله، وبالكاد يتمكن من الخروج. ومع وجود اشتباه في أنه قد يكون من أشعل النار بنفسه، يلتقي بصَحَفيةٍ تحقق في الحادث، ورويدًا رويدًا يقع في حبها. تعود ابنته أيضًا إلى المنزل، ويكون على وفاق معها.
أجاد مانكل بامتياز وصف السويد بما فيها من حياة بين القوارب، وملذات الحياة الغامضة في البلدة الصغيرة. وبسبب رؤاه وأفكاره كان لدي شعور بأن مانكل نفسه يتقدم في العمر. وعرفتُ لاحقًا أن هذا كان كتابه الأخير، وقد نُشر بعد وفاته عام 2017. شُخصت إصابته بمرض السرطان في عام 2014، وتوفي عام 2015 عن عمر يناهز السابعة والستين عامًا.
هيلين سيمونسون كاتبة رواية "الموقف الأخير للرائد بيتيجرو[3] " ليست برجل ولا مسنة، وقد نُشرت روايتها الأولى في 2010. القصة غنية بالأوصاف الرائعة لمقاطعة شرق ساسكس والملاحظات الساخرة حول الفجوة بين الأجيال بين بيتيجرو وابنه، بالإضافة إلى قصة حب مؤثرة تجمع بين رائد الجيش المتقاعد (بيتيجرو) وصاحبة المتجر الباكستانية، أرملة السيد علي.
فيما تطرقت هاتان الروايتان لقصة الحب المتأخر، فإن الروايتين التاليتين ربطتا الأبطال الكبار بالطفولة، بوجود طفل ذي صلة بالأحداث.
كانت رواية مايكل كرومي الصادرة عام 2014 (سويتلاند[4]) والتي تأهلت للفوز بجائزة Audie، كتابًا مسموعًا أخّاذًا. يصور الراوي جون لي الحائز على الجائزة بطل الرواية موسى سويتلاند حاد الطباع الذي يعارض خطة الحكومة لإجلاء سكان جزيرة كندية ساحلية أثناء تعليم ابن أخيه المصاب بالتوحد. وبالتالي يتوجب عليه أن يتأقلم مع فقدان أصدقائه، وجزيرته، وقرب موته.
في رواية آكين التي نُشرت مؤخرًا للكاتبة إيما دونوغيو -مؤلفة رواية "غرفة[5]" -التي كانت من الكتب الأكثر مبيعًا عام 2010- يبلغ بطل الرواية وأستاذ الكيمياء المتقاعد نوح سيلفاغيو، سن الثمانين، فيقوم برحلة إلى نيس، المدينة التي وُلد فيها ونزح منها هربًا من النازيين. تجبره الظروف على أن يأخذ معه حفيده مايكل البالغ من العمر أحد عشر عامًا. ويكشف الكتاب (الذي بدأته للتو) تطوّر علاقتهما أثناء قيامهما باكتشافات في تلك الرحلة.
ربما يكون من المتوقع أنه مع دخول جيل الخمسينات سن التقاعد، فينبغي أن تكفل لنا الروايات الثقافة الشعبية نفسها. وبحسب علمي لم يكن يوجد سوق رائج لأبطال جيل السبعينات قبل الآن. (قد تضع الانتخابات الرئاسية في العام المقبل مرشحين في السبعين من العمر ضد بعضهم مما يلمح إلى بعض الحقائق عن زماننا).
وبكل الأحوال يمنح العمر الطويل للمؤلفين الموهوبين فرصة لتصوير الشخصيات بعمق وتقديم مراوغات غير متوقعة، ومنظور للحياة مثير للارتياح بالتسليم الهادئ بحقيقة أن المستقبل قد ولى، وعلينا أن نتصالح مع الماضي.

  •  داريل ديلاميد: كاتب وصحفي يقيم في واشنطن. وهو مؤلف لكتابين غير روائيين، "صدمة الديون" و "كبرى الأقاليم الجديدة في أوروبا"، بالإضافة إلى رواية "الذهب". متخصص في الاقتصاد والأعمال إلى جانب مهنة الصحافة. وُلد ديلاميد في كنساس ونشأ وترعرع في سانت لويس بولاية ميزوري، حصل على درجة الماجستير من جامعة كولومبيا. وقضى عدة سنوات مراسلًا أجنبيًا في باريس وغيرها من المدن الأوروبية.
  •   ترجمة: بلقيس الكثيري.
  • تدقيق لغوي: مؤمن الوزان.

[1]  After the Fire
[2]  كورت فالندر: شخصية خيالية من ابتكار المؤلف السويدي هينينغ مانكل.
[3]  Major Pettigrew's Last Stand
[4]  Sweetland

[5]  Room 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

افتتاح موقع قرطاس الأدب

  افتتحنا موقع قرطاس الأدب ويمكنكم قراءة آخر مقالاتنا المنشورة عبر موقع قرطاس الأدب