أنيتا فيليسيلي.
عندما كنت صغيرة، كان لدي نمطي قراءة؛ القراءة العامة والقراءة الخاصة، القراءة العامة هي القراءات التي أقرؤها لأتحدث عن أفكارها مع الأطفال في المدرسة، والقراءة الخاصة تكون لنفسي فقط، ظل هذان النمطان للقراءة يسيران باتجاهين متعاكسين، لماذا أقرأ شيئًا لأتحدث عنه، ولأكون جزءًا من المجتمع، في حين أقرأ شيئًا آخر لتغذيتي الذاتية؟ السبب غير معروف ولكن يبقى كما كتب مود كيسي في كتابه "فن الغموض": "إن خصوصية العقل الفردي، وخصوصية الوعي، هي واحدة من هدايا الخيال الاستثنائية لنا"، لذا ظلت القراءة الخاصة دائمًا النمط الأقرب لي والرابط الفردي العميق الذي يربطني بعقول المؤلفين.
قرأت هذا العام بعض الكتب لأبقى مرتبطة بالعالم، ككتاب شوشانا زوبوف "عصر الرأسمالية المراقبة" وكتاب إبرام إكس. كيندي "كيف تكون مضادًا للعداء" وكتاب "دمج اليسار: الانصهار بين العرق والطبقة، الفوز بالانتخابات، وإنقاذ أمريكا" لِـ "إيان هاني لوبيز"، لكنني كرست نفسي بقوة أكبر للكتب التي قرأتها لأتمكن من الحفاظ على حياتي الداخلية.
في شهر آذار/ مارس المنصرم، أعطتني صديقة نسخة من كتاب والدها المفضل، وهو كتاب "الرجل الذي بكى.. أنا! The Man Who Cried I Am" لجون ويليامز، جزءًا من عملية تبادل كتب جرت بيننا، وكان هذا الكتاب أحد أفضل ما اكتشفته على مدار العام، فـ "الرجل الذي بكى.. أنا!" هو رواية استفزازية تعود إلى عصر الحقوق المدنية، وقد كان من أكثر الكتب مبيعًا في عام 1967، وهي تروي قصة صحفي أمريكي من أصل أسود -ماكس ريديك- الذي تزوج من امرأة هولندية، وكان ذلك الزواج بمثابة خطة من الملك ألفريد، تقف وراءها وكالة المخابرات المركزية التي تدبر المؤامرات للمتدربين بهدف القضاء على السكان السود في أمريكا، في طيات تلك الرواية تجد ألم وحشي وتعقيد وموضوعية تشعرك بصدق الحكاية التي لا يمكن هضمها أبدًا والتي لا تسعى أبدًا إلى استرضاء القارئ، لذا أحببتها!
بعد وفاة توني موريسون خلال فصل الصيف، قمت بقراءات متكررة لبعض رواياتها، لقد دهشت عندما وجدت أن رواية الجاز التي قرأتها الآن وأنا في الأربعينيات أحدثت بداخلي تأثيرًا أكبر من قراءتي الأولى لها عندما كنت طالبة جامعية، لم أكن أدرك وأنا في أوائل العشرينات من عمري خيانة جو لزوجته مع امرأة أصغر سناً، أو الطرق التي تستجيب بها النساء الأصغر سناً للظروف، وأحدث ذلك الكثير من الصراعات الداخلية، هذه المرة، أجد أنني أقدّر عبقرية تزامن موريسون مع العديد من الشخصيات، وجرأة الرؤية التي تجعلك تدرك أنها جديرة بالمتابعة، والطريقة التي تكشف لنا بها عن الطرق التي تسيء فيها الشخصيات فهم بعضه لبعض، تماما كما نسيء فهم بعضنا لبعض في الحياة الحقيقية.
لقد كنت من محبي الروائي يوكو أوغاوا لسنوات، حتى إنني لا أعرف ما إذا كانت ستكتب كتابًا لن يعجبني، لقد كنت متحمسة لقراءة قصتها الرائعة The Memory Police، التي تدور أحداثها على جزيرة ديكتاتورية يختفي فيها كل شيء وتؤكد شرطة الذاكرة أن ما اختفى ظل منسيًا، كان الكتاب جديرًا بترقبي له، إذ لا ينبع صداه من أهمية ما رواه عن زمن الفاشية، بل من خلود اعتبارية الذاكرة وكيفية تكوين الذات من خلال ذاكرة الأشياء، والسؤال الذي يبرز على السطح "ما الذي سيتبقى فينا إذا فقدنا جميعًا هذه الأشياء".
عدت هذا العام أيضًا إلى الرائعة بيرسيفال إيفرت، إذ كانت لها رواية "Erasure"، وهي رواية تجريبية قاتمة وهدامة تتفاعل مع حمائم الكتاب الأسود والتجارب "الحضرية"، في كتاب بيرسيفال إيفريت "من فيرجيل راسل"، يزور رجل والده المسن في دار رعاية المسنين ويرويان قصصهما بعضهما لبعض، حيث يختلط الأب والابن كلا منهما مع الآخر.
تعد رواية ايفريت So Much Blue الرواية المفضلة لدي من بين ما كتبت، فهي رواية جميلة مصنوعة من ثلاثة خيوط متشابكة من الزمن، وكما هو الحال مع روايات ايفيريت الأخرى، فإن ملاحظات الراوي في رواية So Much Blue ذكية جدا، وغالبًا ما تكون حادة لدرجة تشعرك أنه مطلع على ما فيك.
لقد أسعدني الغموض والشك في مجموعة القصص القصيرة Grand Union للروائية زادي سميث، إذ يمكن لكل كاتبة أن تتعلم منها استعدادها الدائم للنظر في أنها مخطئة فيما تتخيله أو تعتقده، وعن كل شيء تعتقد أنها تعرفه -المتمثل في موهبتها في الاستجواب- إذ إن توتر عدم المعرفة هذا هو ما أبرز تميز هذه المجموعة.
أحببت أيضًا رواية "The Atlas of Reds and Blues"، وهي رواية قوية وتعد الأولى لكاتبها ديفي لاسكار -الذي قرأت له من قبل قصائد مشروع توبيلو 30/30-، تميزت هذه الرواية في فصولها وكثافتها اللغوية، إذ تُعد أفضل رواية قد يكتبها شاعر -مع إيلاء اهتمام متساوٍ للغة والقصة-.
من النادر جدًا رؤية آثار سنوات العنصرية وكره الأجانب الأميركيين ذوي الأصول الجنوب آسيوية موضحة بعبارات قوية وغنائية كهذه، تفرض أطلس نفسها بجدارة على رفوف الرواية الأمريكية، مما يفتح الباب أمام روايات أخرى صادقة وحادة تروي حقائق حياة الأمريكيين ذوي الأصول الجنوب آسيوية.
لقد أحببت أيضًا رواية ماتانجى سوبرامانيان الحساسة والوجدانية A People’s History of Heaven، فهي قصة تروي حكاية مجموعة من الفتيات في أحد الأحياء الفقيرة في بنغالور في الهند، وروابطهن بعضهن مع بعض ومقاومتهن لحقائق مروعة، فهناك الكثير من الحقيقة التي يتردد صداها من خلال هذه الرواية: "شيء من كتابة القصص يكون لإنقاذ الآخرين، وشيء آخر لإنقاذ نفسك".
كما اكتشفت لأول مرة العديد من المؤلفين الرائعين الذين سكنت نصوصهم مخيلتي لبعض الوقت، من بينهم رواية Cantoras لكارولينا دي روبرتس، وهي رواية جميلة عن خمس نساء يقمن برحلة جريئة إلى الشاطئ معًا في ظل ديكتاتورية أوروغواي، العطاء الذي يتحرك بعلاقة حميمة بين هؤلاء النساء المختلفات، والعزم القوي في حياتهن الخاصة، يوفر سحرًا قويًا للرواية.
راجعتُ أيضًا عددًا من أكثر الكتب إبداعًا التي قرأتها هذا العام، وكنت محظوظة بالعدد الهائل من النسخ التي لا تنسى، في رواية The Unpassing، كتب تشيا شيا لين عن عائلة تايوانية مهاجرة في ألاسكا تكافح من أجل البقاء على قيد الحياة بعد فقدان ابنتها، تعبر الرواية عن نوع معين من المعضلات بطريقة رائعة، ولقد أبهرت بذلك أثناء قراءتها: "لقد نَقَلَنا إلى مكان لا ننتمي إليه، وأخذنا من مكان صنعناه بأنفسنا، الآن، نجد أننا نتوق إلى كل الأماكن ونجد السلام في لا شيء".
في مجموعة القصص القصيرة المجردة من الخوف لكالي فاجاردو أنستين "سابرينا وكورينا"، تنجو نساء الطبقة العاملة في لاتينا من الفقر والخسارة، حيث أجد بين طياتها أوصاف عيش صحيحة حد الألم، مما يدفعني لئلا أطيق صبرًا عما ستكتبه بعد ذلك كـ: "هذا عندما عرفت أنها قد انجرفت إلى الأبد تحت التيار، وهي ترتد من انتفاخ عميق إلى آخر، فهي لن ترفعني أبدًا من هذا البحر".
في مجموعة القصص القصيرة الأنيقة "Last of Her Name" لميمي لوك، تحاول الشخصيات التواصل مع بعضها بطرق غريبة عبر مجموعة من الأوضاع، ففي قصة "The Wrong Dave"، يتلقى المهندس المعماري الذي سيتزوج قريبًا بريدًا إلكترونيًا، ويصطدم بوضع لا يعرف فيه ما إذا كانت زوجته تعرف هوية المرسل أم لا، وتنتهي المجموعة بقصة "The Woman in the Closet" والتي تتحدث عن امرأة تعيش بلا مأوى.
وقد استمتعت أيضًا بعدة إصدارات كـ "A Memoir of My Brain" لسارة فالانس، و "Like Water" لأولغا زيلبيرج، و"As a River" لسيون دايزون، و"Shine of the Ever" لكلير فوستر رودي.
كما كانت مجموعة مقالات ليديا ديفيس واحدة من أكثر الكتب التي احتجت لقراءتها هذا الخريف، إذ ركزت على الملاحظات الدقيقة من زوايا مختلفة للتفكير الأيديولوجي البطيء وغير الصارم الموجود في العديد من الأماكن، ووجدتها تحوي مقالًا حول ما علينا قراءته، مما دعاني لأن أفكر في نصيحته لقائمة قراءتي للعام المقبل إذ يقول: "اقرأ لأفضل الكتاب من جميع المدد الزمنية المختلفة، واجعل قراءتك للكتاب المعاصرين متوازنة، فأنت لا تحتاج إلى جرعة ثابتة من الأدب المعاصر، لكونك تنتمي فعليًا إلى هذا العصر".
أتوقع أن نظامي القرائي لعام 2020 سيُبنى على هذه النصيحة، على الرغم من عشرات الكتب نصف المقروءة المتواجدة على منضدتي الليلية والتي لم أنته من قراءتها دون سبب واضح، إذ أرى أن قراءة الأخبار ضرورية جدًا لتطوير الذات من الناحية العامة، ولتوجيهك بصفتك مواطنًا، ولكن الكتب بالنسبة لي حصن ضروري وعاجل، فهي متراس إغناء للنفس بشكل خاص وعميق.
ترجمة: عبير علاو.
تدقيق لغوي: مؤمن الوزان.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق