سر التسوق في المكتبات المستعملة
الخطوة الأولى: التسليم لكل التوقعات.
كيلسي ريكسراوت*
يعدُّ الصيف موسما جيدا للمكتبات، فمع ارتفاع درجة حرارة الطقس، تزداد حركة الناس في الشارع، وتُترك أبواب المكتبات الأمامية مفتوحة لإغراء المتجولين كون التدفق المريح للقراءة الصيفية يفسح المجال تجاه المرء لاكتشافات عفوية يجتذبها من الرف مقارنةً بأماكن القراءة الهادئة في الشتاء، ويميل الزوار إلى البقاء لوقت أطول نظرًا لطول ساعات النهار.
في الأقل يفعل البعض ذلك، إذ هناك نوع آخر من العملاء الذين يفدون إلى المكتبة، يتجهون إلى حيث مكتب الاستقبال، ويسأل السؤال نفسه بصيغ مختلفة: "هل لديك هذا الكتاب (ذاكرين اسمه)؟"، وهذا يحدث لي في الأقل مرة واحدة في كل نوبة عمل في متجر الكتب المستعملة حيث أعمل، وأحيانًا يحدث ذلك عشرات المرات.
لقد عملت في السجل لمكتبتين لبيع الكتب المستعملة -مكتبة الإسكان للأعمال غير الربحية في مدينة سوهو بمدينة نيويورك والمكتب التعاوني Adobe Bookstore في منطقة ميشن في سان فرانسيسكو- لذا فقد كتبت هذا السؤال مئات المرات، عادة ما تكون الإجابة سهلة، وغالبًا ما أعرف على الفور أنه ليس لدينا الكتاب المعني لكونه إصدارًا جديدًا، فالكتب المستعملة تُتداول بين الناس أولًا، تُناقش، تُمرر عبر الأسر وبين الأصدقاء مثل الشائعات المستمرة قبل أن تصل إلينا، أما بالنسبة للعناوين القديمة، فلا تُصنَّف أو تتغير يوميًا، إلا أنه يسعدني جدًا البحث في مخزوننا في القسم ذي الصلة، وأنجح أحيانًا!
لذا فإن السؤال نفسه هو موضع ترحيب، لكن ما يأتي خيبة أمل عندما يكون عليّ الرد بـ "لا، آسفة" ففي كثير من الأحيان يدور العميل باتجاه المخرج ويغادر دون أن يلقي حتى نظرة حول المتجر. في نظري، يشبه ذلك الأمر أن يدخل المرء إلى معرض فني يسأل "هل لديك أية لوحة لدي كونينج؟" ثم يغادر فورًا إذا ما كان الجواب (كما هو متوقع عادةً) "لا".
بالنسبة لنوع آخر من العملاء، فإن "لا" ليست سوى الجزء الأول من تجربتهم في المتجر، والفرق بين أولئك الذين يغادرون بخيبة أمل وأولئك الذين يغادرون سعداء واضح: المجموعة الأخيرة لا تأتي للبحث عن عنوان محدد، وعندما يفعلون ذلك، فإن هذا البحث المحدد سلفًا هو ما يجلبهم إلى باب المتجر ولا يغضون أبصارهم عن الأشياء الأخرى التي يقدمها المتجر.
مكتبات الكتب المستعملة المفضلة لدي لا تملأ أرففها بأجهزة الكمبيوتر القديمة التي جُمعت من صناديق البيع الحر في المرائب، بل تمتلئ أرفف كل واحدة بمجموعات مختارة من الأدبيات التي صمدت على مر الزمن، وهي مؤلفات تعد بمثابة بداية جيدة لي حين أشعر بالقلق حيال استحالة التأثير في العروض الأدبية في العالم.
يعتمد العديد من الباحثين عن الكتب المستعملة على نصيحة Thoreau: "اقرأ أفضل الكتب أولًا، فقد لا تكون لديك الفرصة لقراءتها على الإطلاق"، كما إن التحمل الشديد والثبات للكتاب المستعمل يُسكن في قلب الباحث صوتًا مطمئنًا وثقة يصعب العثور عليهما في متاجر بيع الكتب الجديدة، حيث لا تقدم العناوين الجديدة إلا القليل من التأثير وينبني الأمر برمته على الضجيج العالمي الأدبي والإعلان التسويقي للناشر.
بطبيعة الحال، يستحق هذا الثبات الشديد بعضًا من التدقيق، فإحدى المناقشات التي تنبثق بانتظام بين الموظفين هي ما إذا كانت اختياراتنا حديثة بما يكفي أو ما إذا كانت رفوفنا في خطر أن تصبح متحفًا لذوق لا يتغير، فنغدو كقائمة التشغيل الخاصة بزوجي والتي تضم أغاني السبعينيات فقط! كما إننا نعلم أن تقديس المؤلفين الذكور البيض في المقام الأول لم يكن حدثا تاريخيًا عَرَضيا بل جاء على حساب إسكات أصوات أخرى. لذا يكمن التحدي الذي نواجهه في أن ننظم رفوفنا بحيث تعرض أفضل المؤلفات والعقول في التاريخ دون نشر أسوأ مواقفها، وهو تحدٍ نتعامل معه من خلال تسليط الضوء على مؤلفات النساء وأصحاب البشرة السمراء، وفي بعض الحالات نكمل بعض المساحات من خلال كتب التبرعات أو التي نشتريها من أصحابها حين ينظمون أيام بيع في المرآب ومشتريات بيع العقارات من خلال مشترياتنا من السوق الثانوية. (كانت مكتبة كتب لوغانبيري في كليفلاند قد رفعت من واجهات رفوفها جميع كتبها التي كتبها مؤلفين ذكور خلال شهر تاريخ المرأة (آذار/ مارس).
وبغض النظر عن هذه الجهود، فإنني لا أعتقد أنه يجب إبعاد كتاب ما لمجرد أنه لم يعد حديثًا للصحافة أو مضى على زمن طباعته وقت طويل، فالمذاق ليس بأمرٍ يخضع للحدود فبقليل من الجهد فقط اكتشفت أصواتًا مختلفة ووجهات نظر لافتة للكثير من المؤلفين عبر عقود من الزمن، وغالبًا ما أستكشف ذلك من خلال إيلاء اهتمام خاص لاختيارات الموظفين وميولهم القرائية، والتي أعلم أنها خطوة لا تهدف فقط لملء وقت استراحة ما بعد الظهر لهم أو ملء خانة في قوائمهم القرائية بل أرى أنها تصيغ جزءًا من الإطار العقلي للأشخاص في الوقت الذي لم يكونوا مدركين أنهم أضحوا قاحلين معرفيا أو بدأوا بالتراجع شيئًا فشيئًا.
لقد تعلمت أن أنظر إلى البحث عن كتاب لأحد زوار متجر الكتب المستعملة لا كأنني باحث عن كنز بل شخصٌ يتمشّى في الطبيعة ويعطي نفسه الكثير من فرص الاستمتاع على طول الطريق، على الرغم من أن البحث عن عناوين أو مؤلفين محددين يؤدي إلى خيبة الأمل مرارًا فإن تنظيم قائمة ذهنية بالموضوعات كـ: نيويورك في الأربعينيات، وجيل بيت، ومذكرات نجمات الروك، يمنحني مكانًا لأبدأ البحث منه وغالبًا ما أجد ضالتي خاصة عندما أبحث خلال الفئات.
عندما تبدأ أرفف الكتب بالامتلاء أتسوق لأصدقائي وأهديهم بعض الكتب، فالكتب المستعملة هدية مثالية كونها لا تشعر المهدى إليه أنه مدينًا لك، في العام الماضي كانت صديقي تمر بمرحلة "تجميد بويضات" صعبة، وقد كنا نشير مازحين إلى تلك العملية باسم "الحصاد" محاولين محاكاة صوت ساحرة الهالوين، ولأسرّي عن مزاجها، قدمت لها كتابًا مستعملًا بمثابة هدية تمني التوفيق، وقد كان نسخة من كتاب الشعر إيريكا جونغ بعنوان "الفواكه والخضروات"، وأما لأصدقائي الآخرين، أعطيتهم الهدايا التي تتحدث إلى شغفهم مثل هتشكوك وكلاب البودل، وكلها مؤلفات أجدها في رحلة بحثي دون أن أكون وضعت في اعتباري البحث عنها تحديدًا.
هناك استثناءات لكل قاعدة، فأحيانًا يأتي الناس يطلبون كتابًا محددًا وفي لمح البصر أتذكر مكانه وأحضره لهم، وفي أحد المرات قدم إلينا صبي في سن المراهقة يبحث عن نسخة من كتاب فيكتور هوغو البؤساء، وقد وجدت أن لدينا نسختين كل منها لمترجم مختلف -وهو أمر لا تصادفه في مكتبات بيع الكتب الجديدة- وما أكثر ما كان إجلالي مهيبًا حينما شرح أحد المتطوعين لدينا -وهو استشاري تقني باليوم- الفروق الدقيقة بين الترجمتين لمساعدة الصبي على اتخاذ قراره حول النسخة التي يبتاع.
في نهاية الأسبوع الماضي كنت أتسوق في سانتا روزا وفُتِنتُ بمتجر كتب تريهورن Treehorn Books الواقع هناك، فالأرفف الخشبية الممتدة من الجدار إلى الجدار مزدحمة بشكل رائع- أي مساحة فوق صفوف الكتب المستقيمة تجدها مكتظة بمزيد من الكتب على الرفوف أفقيًا، في تحدٍ للأبجدية (يجب أن تتخذ كل مكتبة موقفها الخاص بشأن ما إذا كانت هذه المساحة مغلقة حدود أو لعبة رفوف عادلة)، لقد بحثت في فئة R's عن كتاب معين لمارلين روبنسون ولكنني لم أرَ أيَّ شيء من مؤلفاتها، وبدلاً من ذلك، تجولت في الأرفف السابقة المصنفة باسم Pirates و Sabotage و Disasters، والتي وضعت في قسم Rodeos & Boardwalks، وبطريقة ما توقفت أمام قسم الكتب الخيالية حيث اقتنيت نسخة أصلية من كتاب Homegoing للروائية يا جياسي.
هذا هو نوع الرحلة غير المتوقعة والمرضية التي أريد أن يمر بها الجميع عندما يدخلون إلى مكتبة كتب مستعملة لاستكمال قائمة القراءة الصيفية، سأستمر في مساعدة الأشخاص في البحث عن عناوينهم المحددة، ولكنني سأشجعهم أيضًا على البقاء والتصفح قليلاً، فإذا كنت لا تعرف ما تبحث عنه، فأنت لن تعرف ما ستواجهه في رحلة البحث والتنقيب!
*كيلسي ريكسراوت محررة وكاتبة مقيمة في سان فرانسيسكو، كتبت عددًا من القصص والمقالات في: The Cortland Review, Litro, Jellyfish Review, The Hairpin, و McSweeney's Internet Tendency
ترجمة: عبير علاو.
تدقيق لغوي: مؤمن الوزان.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق