رواية "أختي مجرمة القتل المتسلسل" بقلم أوينكان بريثوايت، عدد صفحاتها 226 صفحة
بناءٌ على معرفة كوريدي بأن منظف التبييض يخفي رائحة الدم، وأن الخزانة تحت حوض الغسيل في المطبخ مليئةٌ بكل ما هو مطلوبٌ لمعالجة الأوساخ والشحوم وأن التنظيف -غالبًا- يساعدها على التفكير، تعتبر كوريدي منظفةً بارعةً قادرةً على إخفاء أثر الذرّة، وكل هذا يأتي في صالح أختها الصغرى "أيولا" التي اتصلت بها لتقول لها للمرة الثالثة على التوالي " كوريدي، لقد قتلته" وهنا تضطر أن تشمّر عن ساعديها وتقوم بمهمة التنظيف مرةً أخرى.
نشأت كوريدي وأختها أيولا في لاغوس، وهي مدينةٌ مليئةٌ بالأشخاص القادمين من الأرياف بحثاً عن وظائف. رجال الشرطة مفسدون مثلهم مثل السياسيين، ويبدو أن الجميع على ذات الشاكلة. تتصف أيولا بأنها فائقة الجمال، وتصفها كوريدي راوية أحداث "أختي مجرمة القتل المتسلسل" فتقول "جسدها ممشوق القوام كأنه شريطٌ موسيقي" هذه الرواية في ظهورها الأول من تأليف الكاتبة النيجيرية الشابة أوينكان برايثوايت، وقد تم انتقاؤها من قبل الناشرين في الولايات المتحدة وبريطانيا العظمى على حدٍ سواء.
"لون بشرة أيولا متناغمٌ بين الكريم والكراميل أما بشرتي فتميل للون الجوز البرازيلي قبل تقشيره، جسدها بأكمله بارز التفاصيل والملامح بينما جسدي مسطحٌ وكأنه صُنع من حوافٍ صلبة"
"أختي مجرمة القتل المتسلسل" ليست من نوع روايات الجريمة الغامضة، إذ أنها لا تولي الكثير من الإهتمام حول السبب الذي يدفع أيولا لقتل أخلائها، على النقيض الأمر بالنسبة إليها في غاية السهولة بوجود سكينٍ حادةٍ سرقتها من والدها والطابع المعقد والغريب لرابطة الأخوّة بينها وبين كوريدي. أيولا فتاةٌ ساخرة، بينما كوريدي التي تعمل رئيسة ممرضاتٍ في مستشفى سانت بيترز، ذات القفازين المطاطيين بارعةٌ في تنظيف الأسطح وطمس الأثر. على الرغم من اختلافهما الشاسع، إلا أن أيولا وكوريدي حليفتان وشريكتان تكافحان يدٌ بيدٍ من أجل العيش في هذه المدينة التي تضيّق الخناق على النساء في كل سبيلٍ ممكن.
قبل وفاة والدهما المفاجئة (والتي قد تكون حادثا أو ربما ليست كذلك) كان يعمل في صفقاتٍ محفوفةٍ بالمخاطر حيث يبيع السيارات التي يتم تجديدها بعلامةٍ تجاريةٍ جديدة، ومن عائداتها بنى منزله الجديد ذي المواصفات الحديثة في مزرعة. كان يضربهما، ويحاول تقريبهما من أصدقائه وزملائه المهمين في العمل وكان يجلب عشيقاته للمنزل على الرغم من وجود زوجته فيه. وعندما كانت تحتج صارخة، يكتفي بالنظر إليها بلا مبالاةٍ وهو يقول لها: "إذا لم تخرسي سأعرف كيف اتعامل معكِ" وحينها لجأت الأم لتناول الأمبين.
أسلوب بريثوايت في الكتابة يتّسم بشيءٍ من الكر والفر مما يبقي الحبكة على المحك على امتداد كل الفصول. يترأس كل فصلٍ قصيرٍ من فصول الرواية عنوان مستقل "Bleach" و "Body" و "Scrubs" و "Heat" و "Questions" التي تتابع في إيقاعٍ مشدودٍ مثل قرع الطبول. لربما لن يتطرق الكاتب قليل الطموح لأبعد من ذلك، لكن برايثوايت تأخذ الأحداث إلى منعطفٍ أكثر سوادًا عندما تضع أيولا عينيها على الرجل الذي تحبه كوريدي سرًا، الدكتور طيّب القلب "تادي أوتومو" الذي يضع وعاءً من الحلوى على مكتبه لمرضاه من الأطفال ويغني للرضع منهم حتى لا يشعرون بأثر الحقن. كانت كوريدي تسمعه فتسأل نفسها "هل هناك ما هو أجمل من رجلٍ له صوتٌ كصوت المحيط؟ طفلةٌ تتهادى بين ذراعيه، وعندما تكبر ستذكره على أنه حبها الأول"
على الرغم من أن الدكتور تادي كان يشعر بشيءٍ من العاطفة والاحترام لرئيسة الممرضات كوريدي، إلا أنه نسي أمرها تمامًا لمجرد أن حرّكت أيولا إصبعها تجاهه. بالنسبة لأيولا كان الطبيب مجرد رجل آخر يمكنها التلاعب به. كان يرسل إليها الأوركيدا فترسل إليه رسالة: "أنا أفضّل ورود الروز" وكانت تقول لأختها ساخرةً منه: "أقصى طموحه وجه جميل" وعلى الرغم من ذلك تستمر كوريدي في الاهتمام بشقيقتها، وحمايتها بعيدًا عن وسائل الإعلام على اعتبار أنها في حدادٍ على صديقها المقتول حتى لا تثير الشبهات حول كيفية وفاته.
وحتى لا تُصاب كوريدي بالجنون، تبدأ بالفضفضة لأحد المرضى "مهتار ياوتاي" وهو مريضٌ يمكث منذ أشهرٍ في الغرفة رقم 313. وهكذا كلما شعرتْ بالاكتئاب تدخل غرفته وتسحب الكرسي من جانب الطاولة التي في الزاوية، وتضعه على بعد بوصاتٍ من سريره ثم تفضي له بمكنونات صدرها، تقول: "جئت لأتحدث معه عن أيولا، لكن في الحقيقة تادي هو الذي يشغل بالي.... أتمنى ..."
ثم تتطرق إلى موضوعٍ أيولا والرجال الذين تقتلهم: "فيمي هو ثالث ضحاياها، ثلاثة ضحايا تضعها في دائرة القتل المتسلسل، لا بد أن تعرف ذلك، أليس كذلك؟"
كان مهتار ياوتاي قد أصيب بجروحٍ بالغةٍ في حادث سيارةٍ ودخل في غيبوبةٍ وهو في المستشفى لمدة خمسة أشهر، وهذا السبب الذي جعل كوريدي تتحدث إليه. ولكنه يفيق من غيبوبته وعندها يبدأ في تذكر ما قالته كوريدي. وفجأةً تأخذ القصة منحى مختلفًا.
"أختي، مجرمة القتل المتسلسل" كتابٌ بقنبلةٍ من المفاجآت الحادة والمتفجرة والممتعة. تستعمل بريثوايت سلاحها الفتّاك في استهداف القارئ بشيءٍ من الكوميديا الساخرة والباعثة للضحك. وفي اللحظة التي تقلب الصفحة الأخيرة ستدرك أن إثارة الضحك بالنسبة لبريثوايت -كما هو الحال مع العديد من الكتّاب الهزليين البارزين الذين سبقوها- إنما هو لإسدال الستار على الألم تمامًا كمفعول منظف التبييض في إخفاء رائحة الدم.
-فياميتا روكو محررة عمود الثقافة لمجلة إيكونيميست (The Economist) وأحد المسؤولين عن جائزة مان بوكر الدولية Man Booker International.
-ترجمة: بلقيس الكثيري
-التدقيق اللغوي: عبد الله علي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق