مي زيادة ولطفي السيد
كان أستاذ الجيل أحمد لطفي شغوفاً بالأدب العربي وكان محامياً، وتولى رئاسة تحرير جريدة "الجريدة" لعدة سنوات. وكانت بداية معرفته بمي في لبنان. كان يقضي إجازة الصيف في بيروت وكانت هي هناك مصادفةً وبينما كان يتناول عشاءه في الفندق، لمح بالغرب منه فتاةً شرقية الملامح تتحدث الفرنسية بطلاقةٍ مع قنصل فرنسا في مصر، وتدافع عن المرأة الشرقية وحقوقها بحماس.
لفتت نظره هذه الفتاة فسأل صديقه الذي كان بصحبته
من هذه الفتاة ؟
فأجابه خليل سركيس :
إنها ماري زيادة، بنت الصحفي المعروف إلياس زيادة صاحب جريدة " المحروسة " وبعد أن انتهت مقابلة مي مع القنصل تقدم إليها خليل سركيس الذي كان يعرفها شخصياً وقدمها إلى أحمد لطفي السيد.
وبدأ إهتمام أحمد لطفي السيد بمي .. كما قدرت مي هذا الاهتمام وتلك الرعاية تقديراً كبيراً. فأهدت إليه كتابها "ابتساماتٌ ودموع" عندما عادت إلى مصر، وعاد هو كذلك وكان الكتاب ترجمةً لروايةٍ ألمانية.
وتابع أحمد لطفي السيد مقالاتها التي كانت تكتبها في جريدة والدها "المحروسة" تحت عنوان "يوميات فتاة" ولاحظ لطفي السيد أن أسلوب مي متأثراً كثيراً بثقافتها الغربية، فوجهها إلى الاهتمام باللغة العربية ونصحها بقراءة الأدب العربي.
وذات يومٍ التقت به في إحدى الجلسات فقال لها:
"لا بد لك يا آنسة من تلاوة القرآن الكريم، لكي تستفيدي من بلاغة معانيه وفصاحة أسلوبه"
فقالت له مي:
ليس عندي نسخة من القرآن.
فقال لها:
أنا أهدي لك نسخة منه!
وبعث إليها الأستاذ لطفي السيد في اليوم التالي نسخة من القرآن الكريم مع كتبٍ أخرى في الأدب العربي.
وتعترف مي بفضل لطفي السيد عليها فتقول:
ابتدأت أفهم من لطفي السيد اتجاه الأسلوب العربي، وما في القرآن من روعةٍ جذابةٍ ساعدتني على تنسيق كتابتي ورقي أسلوبي.
وتبادلت مي مع أستاذها لطفي السيد الرسائل الأدبية التي احتوت آراء وخواطر وأشجان كل منهما، كما تخللتها الكثير من العواطف النبيلة والمشاركة الوجدانية الحقيقية.
في 15 مايو 1913 كتب إليها من مصيفه بالإسكندرية خطاباً جاء فيه:
جاءني كتابك فتشممته ملياً وقرأته هنيئاً مريئاً، وإني ممتنعٌ نهائياً عن شرح العواطف لك. وكل ما يأذن لي تهيبك أن أبوح به هو أني من الصباح إلى هذا المساء وأنا وحدي، فلم أستطع أن أمسك القلم لأجيب عليه بصراحتي العادية، فما وجدت بداً من الركون إلى أسلم الطرق، وهو أن أحفظ لنفسي وصف الاغتباط الذي نالني من هذا الكتاب.
اعترفي بأنك كنت في ساعة من ساعات تجلياتك حين كتبت لي هذه الرسالة، أن فيها أفكاراً ومرامي ذات وزن كبير، وفيها مقاصد ومعانٍ تكاد تطير من خفتها، أو تذوب من رقتها. أجناية أن أتحدث بهذه السابغة ؟ إلا أن للأرواح أيضاً غذاءً يتنزل عليها من مكانٍ أسمى من مكانها العادي، وهزةٌ تأخذها حين تتقابل جاذبيتها. لعل ذلك هو سر السعادة الإنسانية التي يلتمسها الناس، فلا يعرفون طريقها.
وكانت مي سعيدةً باهتمام أستاذها أحمد لطفي السيد، فحافظت على علاقتها به ودعمتها بكل المودة والاحترام والاهتمام .. وكانت تستقبله مع أصدقائها المقربين في غير أوقات الصالون.
ودامت هذه العلاقة قويةً حقيقيةً تجمع بين أستاذٍ وأديبةٍ موهوبةٍ تحمل له العرفان بالجميل والاحترام والمحبة.
عن كتاب نوال مصطفى "مي زيادة أسطورة النبوغ"
إعداد: إيمان
التدقيق اللغوي: عبد الله علي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق