في بادئ الأمر، ما المقصود تحديدًا بالرواية الأمريكية العظيمة؟ لطالما اتّسمت الآراء بالتباين حول هذا الموضوع، والحقيقة المتفق عليها هي أن ما يعدُّ روايةٌ أمريكيةٌ عظيمةٌ لشخصٍ ما، قد تكون لآخر مجرد شيءٍ مملٍ تافهٍ يصلح لتزجية الوقت على الشاطئ.
على الرغم من ذلك أعتقد أن جون سكالزي قد أوضح ذلك بشكلٍ أكبر عندما ذكر في صحيفة لوس أنجلوس تايمز في عام 2016 ثلاث خصائصٍ يلزم توافرها لوصف روايةٍ ما بالرواية الأمريكية العظيمة، دعماً لـرواية أن تقتل طائرًا بريئًا.
انتشارها: يجب أن تكون روايةً قرأها -نسبيًا- عددٌ كبيرٌ من الأمريكيين، وأن نسبةً كبيرةً من أولئك الذين لم يقرأها يعرفون عنها بطريقةٍ أو بأخرى (على سبيل المثال، من خلال فيلم مصور).
أهميتها: يجب أن يكون هناك اتفاقٌ عامٌ على أنها روايةٌ هامة –أن تكون ذات جودةٍ أدبيةٍ و/أو تمثل جزءًا من المشهد الثقافي بطريقةٍ لا جدال فيها (وإنِ تعرّضت للنقد).
مغزاها: أن تتناول الرواية بعض الجوانب الفريدة من الحياة الأمريكية سواءً من ناحية سَقطاتها أو تطلعاتها كأمة، بقوةٍ أدبيةٍ مميزةَ المعالِم، لا ينبغي خلط ذلك بالنهايات السعيدة.
لاحظوا أن سكالزي لم يقترح بأن تكون الرواية من تأليف كاتبٍ أمريكي. وعلى الرغم من أنني أرى أنه سيكون من الصعب أن تكتب روايةٌ تتناول الحياة الأمريكية دون أن تكون قد عشت هنا في الأقل ردحًا من الزمن، غير أن رؤية الحقيقة تتطلب أحيانًا أن ينظر إليها غريبٌ من الخارج. ناهيك عن حقيقة أن أمريكا شُيّدت بأيدي المهاجرين واللاجئين، وأن التنوع من أي نوعٍ عادةً ما يُثري حياة وعقول جميع الأطراف المعنية، مما يجعلها أكثر روعةً وعظمة. الأمر لا يختلف في الأدب، ولا يختلف في قانون الرواية الأمريكية العظيمة. (يجب أن ينقل شخصٌ ما إلى إدارتنا الحالية ذلك، لكن على أي حالٍ نعرف جميعًا أن مَن بالإدارة لا يقرأون الكتب). مع أخذ كل ذلك في الاعتبار، هذه مجموعةٌ غير كاملةٍ من الكتب التي يمكن عدها من الروايات الأمريكية العظيمة، على الرغم من حقيقة أن مؤلفيها -الذين قد يكونون أمريكيين الآن- ولدوا خارج أمريكا.
(Americanah)
أمريكانا - شيماماندا نغوزي أديشي
تحقق من أن الرواية: واسعة الانتشار؟ هامة؟ تتناول جانبًا فريدًا من الحياة الأمريكية؟ وذلك إذا أخذت في الاعتبار تعقيدات العلاقات العِرقية التي سُلط الضوء عليها هنا عوضًا عن طمسها من خلال دقة وضع أديشي غريبةً من خارج أمريكا. أفيميلو هي الشخصية الرئيسة في الرواية، وهي امرأةٌ سوداء في أمريكا، ولكن كونها نيجيرية، يحد من وصفها بـ"الأمريكية الأفريقية" مما يعقد الأمور بعض الشيء. ومن هنا جاء عنوان المدونة التي أنشأتها: "تأملاتٌ مختلفةٌ لامرأةٍ سوداء غير أمريكيةٍ حول الأمريكان السود المعروفين سابقًا باسم الزنوج" اضفْ إلى ذلك مواضيع الهجرة والإنترنت والحياة الجامعية والشعر، التي تضفي على هذه الرواية صفة الرواية الأمريكية العظيمة -والنيجيرية على حدٍ سواء- إذ إن هذا كل ما تدور حوله أمريكا.
(In the distance)
من بعيد - هرنان دياز
هذا الكتاب هو الأحدث من بين الكتب الموجودة في هذه القائمة -أُصدِرَ ونُشرَ في العام الماضي- لكنه في طريقه لأن يصبح من الكتب الكلاسيكية، والسبب هو أنه المتأهل غير المتوقع الذي وصل لنهائيات الترشح لجائزة بوليتزر. والسبب الآخر أنه كتابٌ رائعٌ وبمثابة تحديثٍ وتقويضٍ للغرب الأمريكي الذي يشاهد مهاجرًا سويديًا شابًا يواجه الجيد والسيئ جدًا جدًا على هذه الأرض الأمريكية الغريبة خلال بحثه عن شقيقه. وقال دياز لصحيفة باريس ريفيو: "من بين التصنيفات الأدبية يُعدُّ التصنيف الغربي لغزًا كبيرًا بالنسبة لي. ولأنه يكتسح التاريخ الأمريكي ويعرض أسطورةً جذابةً جدًا عن نشأة هذا البلد، كان ينبغي أن يصبح تصنيفًا وطنيًا. فاليقظة والجشع والعنصرية والنهب كلها تعبر عن المشهد الرومانتيكي في الغرب. يوجد هوسٌ أمريكيٌ شديدٌ بالفضاء والاستكشاف، ولكن في نهاية المطاف تُمتهن الطبيعة وتصبح مجرد مصدرٍ لاستخراج الثروة. كذلك ينحاز هذا النوع عادةً للفرد ضد القانون. بالإضافة إلى وجود الأسلحة طبعًا، والقائمة تطول. باختصار، حتى وإن كان يجب أن يتوشح التصنيف الغربي رداء الوطنية، فإن مكانته في القانون الأدبي هامشية، لذا رأيت أن التصنيف الغربي من التصنيفات الأدبية المهجورة نوعًا ما، والذي يسهل الاستيلاء عليه. وبسبب دلالاته الأيديولوجية بدا الأمر وكأن اختراق التصنيف الغربي طريقةً مثاليةً لقول شيءٍ جديدٍ عن الولايات المتحدة وتاريخها".
ولد دياز في الأرجنتين، وعاش في السويد عندما كان طفلاً، وفي العشرينات من عمره عاش في لندن، وأصبح يعيش في نيويورك في العشرين سنة الماضية.
(The Sympathizer)
المتعاطف - فيت ثانه نغوين
أول عملٍ من أعمال نغوين وأفضلها مبيعًا حيث تناول حرب فيتنام من منظورٍ جديدٍ -والتي كانت لحظةً حاسمةً وفاصلةً في التاريخ الأمريكي- منظور المتعاطف الشيوعي نصف الفيتنامي، فاز هذا العمل بجائزة بوليتزر في عام 2016. بعد سقوط سايغون، فر نغوين مع والديه إلى الولايات المتحدة. ويعمل حاليًا أستاذًا في جامعة كاليفورنيا. في مقابلةٍ له مع تيري غروس، وصف نيغوين مشاهدته لفيلم "القيامة الآن" وهو فتًى في العاشرة فقال: كنت أشجع الجنود الأمريكيين حتى اللحظة التي رأيتهم فيها في فيلم "القيامة الآن" عندما بدأوا في قتل الشعب الفيتنامي. وكانت تلك من اللحظات التي لا تطاق بالنسبة لي لأنني لم أكن أعرف بصف مَن مِن المفترض أن أقف، الأمريكيون الذين كانوا يَقتلون أم الفيتناميون الذين كانوا يموتون ولا يستطيعون الكلام؟
تلك اللحظة لم تفارقني أبدًا، لكونها لحظةً حملت دلالةً لاستيعابي بأن هذا هو مكاننا في حربٍ أمريكيةٍ، وأن حرب فيتنام هي حربٌ أمريكيةٌ من وجهة نظر أمريكا، وفي الأخير سيتوجب أن أفعل شيئًا حيال ذلك، وقد فعل أخيرًا.
( The Moor’s Account)
حكاية المغربي - ليلى العلمي
هذه الرواية الحائزة على العديد من الجوائز هي تاريخٌ بديلٌ لبدايات أمريكا، وهي حكايةٌ خياليةٌ عن أول مستكشفٍ إفريقيٍ يصل إلى العالم الجديد، وإن كان بصفته عبدًا. إنها ليست أمريكا التي نعرف، إنما أمريكا التي أتت بنا إلى هنا، أمريكا التي يجب أن نعرف.
(Maus)
ماوس - آرت سبيجلمان
وحدة الإطار السردي لرواية ماوس دل أنها في الولايات المتحدة (في مدينة نيويورك في عام 1979، سأل سبيجلمان والده عن تجربته خلال المحرقة "الهولوكوست") ولكن مع الأخذ في الاعتبار التأثير الدائم لنظام هتلر في هذا البلد، ثقافياً وغير ذلك، ونظرًا للأهمية الدائمة لهذه الرواية المصورة وشعبيتها، فهي أمريكيةٌ بالقدر الكافي بالنسبة لي. وعلى الرغم من أن مؤلفها أميركيٌ الآن، فقد وُلِدَ سبيجلمان في ستوكهولم وجاء إلى الولايات المتحدة مع والديه وهو طفلٌ صغير. كتب في صحيفة نيويورك تايمز "أتذكر أمي في طفولتي وهي تترنم بقصيدة إيما لازاروس المحفورة على قاعدة تمثال الحرية كما لو أنها قدّاس ديني:
"هلموّا إليّ أيها المتعبون والفقراء
والجموع الحاشدة التوّاقة لاستنشاق الحرية
والبائسون المهمَلون الذين يملؤون الشطآن
أرسلوا إليّ أولئك المشردين الذين تعصف بهم الزوابع"
في العقود التي تلت ذلك، كان عليّ أن أتعلم كم من المرات تعرضت أحاسيس إيما لازاروس للقمع من قبل سياسات الهجرة القاسية. لقد أحرقت وكالة ICE أحلام الكثيرين ممن عصفت بهم الزوابع، وهذه الأيام يُخالف ذلك النقش المحفور بوحشيةٍ الذي كان والداي يأملان أنهما قد تركاه وراءهما"
(Native Speaker)
المتحدث الأصلي - تشانغ راي لي
من الأعمال الكلاسيكية الحديثة -ومن الطريف أنه كان أول كتابٍ نشرته دار ريفرهيد الجديدة آنذاك- عن رجلٍ كوريٍ يحاول بذل قصارى جهده ليصبح أمريكيًا حقيقيًا مهما كلفه الأمر. تدور القصة حول الاندماج وتغيير الهويات، والزج بالذات في بورة صدامٍ ثقافي. لذا فإن أي شخصٍ شعر في أي وقتٍ بأنه ليس في مكانه الصحيح، أو كان غير واثقٍ من الطريقة الصحيحة للتعامل مع العالم الذي يعيش فيه، أو كان غير مدركٍ لما يجب أن يكون عليه الأمريكي الحقيقي يجب أن يقرأ هذه الرواية.
(Behold the Dreamers)
تأملوا الحالمين - إيمبولو مبو
لا يمكن أن يكون أمريكيًا أكثر من نادي أوبرا للقراءة. في كتابها الأكثر مبيعاً في عام 2016، توجد عائلتان إحداهما ثرية والأخرى تصارع شظف العيش، إحداهما من السكان الأصليين، والأخرى مهاجرة. في مدينة نيويورك يسعى أفراد العائلتين جاهدين للتغلب على تدهور حياتهم خلال الأزمة المالية في 2007-2008. روايةٌ حديثةٌ ومهمةٌ حول الطبيعة الحقيقية للحلم الأمريكي.
(Lolita)
لوليتا - فلاديمير نابوكوف
ولد في سان بطرسبرج، ولكن كان قدره أن يصبح محكًّا للأحرف الأمريكية. وكما قالت ماري إليزابيث وليامز قبل سنواتٍ في موقع صالون (Salon)، فإن جزءًا من عظمة روايات نابوكوف الأمريكية، كما هو الحال في رواية أمريكانا يعتمد على أنها "وجهة نظرٍ أخرى لأمريكا من شخصٍ خارجها" وأضافت: ما يجعل لوليتا عملاً عظيماً ليس أن عنوانها قد أصبح متأصلاً في اللغة العامية، وليس بسبب أن الجيل المتقدم من أمريكا كان مهووسٌ بالفتيات الصغيرات. إنما السر في لغة الكتابة نفسها، الطريقة التي يقرع بها نابوكوف الكلمات وكأن اللغة الإنجليزية صندوق لُعب؛ طريقته التي تنم عن براعة، طريقةٌ كاسحةٌ ومبهمةٌ وموجعةٌ في الوقت نفسه.
(The Namesake)
السَميّ - جومبا لاهيري
مثل سبيجلمان -ثمة تشابه طفيف- حيث إن لاهيري المولودة في لندن، انتقلت إلى الولايات المتحدة وهي طفلةٌ صغيرةٌ وهي بلا ريبٍ مؤلفةٌ أمريكية، اسألوا عن ذلك أي نادي قراءةٍ في البلاد. لكن على الرغم من ذلك هي لم تُولد هنا. لذا كان عليّ أن أدرج هذه الرواية المذهلة في القائمة والتي تحكي حياة وصراعات زوجين انتقلا إلى أمريكا من كلكتا في الهند، ورُزقا بطفلٍ هناك (أسمياه غوغول تيمنًا بالكاتب الروسي نيقولاي غوغول )
-إيميلي تمبل من كبار المحررين في موقع Literary Hub، وستصدر أول روايةٍ لها بعنوان "السطوع" (The lightness) عن مؤسسة ويليام مورو في عام 2020.
-الترجمة: بلقيس الكثيري
-التدقيق اللغوي: مؤمن الوزان.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق