المشاركات الشائعة

الأحد، 17 مايو 2020

مقابلة مع عائشة دوزكان.


حاورتها: ريبيكا جولد*.

عائشة دوزكان كاتبة وناشطة ومترجمة تركية أُطلقَ سراحها من السجن بعد أن حُبست بسبب نشاطها السياسي، من بين كتبها Çalar Saat (المنبه ، 1994)، Erkekliğin Kitabında Yazmaz Bu (لا يمكنك العثور على هذه الأشياء في كتب الذكور، 2006)، Behiç Aşçı Kitabı (كتابُ Behiç Aşçı (المضرب عن الطعام ضد الزنزانات الانفرادية، 2006)، و 0517 (في إشارة إلى تاريخ أول مظاهرة نسوية في عام 1987 وثورتي 1905 و 1917 ، 2018)، وتشمل ترجماتها بيان SCUM** (بقلم فاليري سولاناس) وليلى خالد: أيقونة التحرير الفلسطيني (بقلم سارة إيرفينغ) والحرية صراع مستمر (بقلم أنجيلا ديفيس)، ولديها حاليا أعمدة في الصحف التركية Yeni Yaşam وموقع Artı Gerçek.

تعرفت على دوزكان حينما انضمَّتْ مساهمةً في فصل السيرة الذاتية عن الترجمة وحينما تحدثت عن نشاط حياتها لكتيب Routledge Handbook of Translation and Activism، الذي حررته مع كيفان تاهماسيبيان. أعجبت بالقصة التي روتها، وقررت أن أستكشف وجهة نظرها حول الترجمة والنشاط بمزيد من التعمق في هذه المقابلة.

 

ريبيكا روث جولد: أود منك أن تتحدثي عن الكتب المؤثرة في حياتك؟ ولماذا وكيف أثرت فيك؟

عائشة دوزكان: فيما يتعلق بالكتب غير الخيالية، يمكنني أن أقول أن بيان الحزب الشيوعي لماركس وإنجلز وكتاب رأس المال لكارل ماركس كان لهما أثرًا فيَّ في مراهقتي، وكتاب كريستين دلفي "العدو الرئيس" أثر في العشرينات من عمري، فقد قدم لي هذان العملان القواعد الأساسية للرأسمالية،  ومن خلال دلفي والنسوية المادية*** تعرفت على كيفية عمل النظام الأبوي، أما بالنسبة للخيال، فقد تأثرت بروزاموند، بطلة فيلم The Millstone المقتبس من رواية مارجريت درابل "امرأة شابة"، كما كانت أعمال الكاتب التركي سيفجي سويزال مهمة جدًا لي، كما كانت كتب مارلين فرينتش Women’s Room و The Bleeding Heart مهمة في توجيه دفتي نحو النسوية، ولقد فتحت بعض الأعمال عيني على التفكير العميق وأرتني كيف أكون مبدعة كـ: Jitterbug Perfume لتوم روبينز، وتعاليم دون خوان The Teachings of Don Juan لكارلوس كاستانيدا، وبعض أعمال ويليام بوروز (وقد ترجمتُ كتابه Junkie إلى التركية)، إضافة إلى كتاب أنجا هنريوت مولينبلت  Shame is Over  الذي كان ملهمًا لي، وأخيرًا وليس آخرًا، بيان SCUM من إعداد فاليري سولاناس.

 

ريبيكا روث جولد: برأيك ما دور الترجمة في النشاط السياسي التركي بشكل عام؟ وما الأعمال الأكثر أهمية هذه الأيام؟

عائشة دوزكان: أعتقد أن الترجمة مهمة جدًا في النشاط السياسي الثوري والنسوي والمعارض، فنحن نعيش ونقاتل في تركيا، ولكن علينا أيضًا معرفة ما يجري في أجزاء أخرى من العالم، إنها ليست مثل فرنسا على سبيل المثال، فخلال الستينات، كان هناك مثقفون يساريون لم يكلفوا أنفسهم عناء معرفة ما يحدث، حتى في الجزائر حدث ذات الأمر، ومع ذلك، ظل الناس في العالم يقرؤون أي شيء يكتبونه! ليس لدينا مثل هذا الامتياز هنا، ومن جهةٍ أخرى، غالبًا ما تكون ميزة أن تكون من بلد مثل تركيا، إذ أن عليك أن تقرأ بشكل موسع عن بقية العالم، وهو أمر جيد بالنسبة لك، وقد أجد صعوبة كبيرة في الإجابة عن سؤال ما المهم حقا لكن يمكنني القول أن معظم أعمال ما بعد فوكو تحظى بشعبية كبيرة.

 

ريبيكا روث جولد: ما الذي جعلك تقررين أن تصبحي مترجمة؟ هل تعتقدين أن الترجمة جعلتك كاتبة أفضل؟

عائشة دوزكان: في الواقع، لم أقرر أن أصبح مترجمة، بل شعرت أن عليّ ترجمة الأعمال التي أردت أن يقرأها الآخرون، وأعتقد أن الترجمة جعلتني كاتبة أفضل لأنها عرفتني على أنماط مختلفة من التفكير والكتابة.

 

ريبيكا روث جولد: في مساهمتك في Routledge Handbook of Translation and Activism عبرتي عن قلقك بشأن تأثير اللغة الإنجليزية في العالم، هل هناك صفات محددة تجديها مفقودة في النشاط غير الموجه إلى الترجمة؟ هل هيمنة  اللغة الإنجليزية على ذلك النشاط تحد من تأثيره؟

عائشة دوزكان: أعتقد أن هيمنة اللغة الإنجليزية على مختلف النشاطات والسياسة والنظريات الممتدة عبر العالم لها تأثير كبير، والأهم من ذلك يعدُّ هذا الأمر عجزًا عالميًّا، فهناك تقسيم غير عملي وصعب للعمل، إذ يتعين على جنوب العالم وشرقه تقديم روايات عن المقاومة والنضال حتى نتمكن من الوصول إلى النظرية المكتوبة بلغات العالم الغربي والشمالي، وسيكون من المدهش جدًا إذا لم يحرم هذا الأمر تفكيرنا ونشاطنا العالمي من الاتساق والنزاهة والحساسية الجماعية، فأنت تجد النضال والمقاومة والنظريات في جميع أنحاء العالم، لكن حتى في هذا العصر وما فيه من التقنيات مثل الترجمة من خلال Google Translate فإنه لا يزال علينا ترجمة الكثير، إلا أننا نحتاج أيضًا إلى اختيار ما نترجمه، وهذا قرار سياسي جدًا.

 

ريبيكا روث جولد: هل يمكنك أن تقولي شيئًا عن ظروف سجنك الأخير؟ كيف يحيا المرء في السجن؟ هل غيرك بأي شكل من الأشكال؟ وماذا عن أعمال خدمة المجتمع؟

عائشة دوزكان: أمضيت أربعة أشهر في سجن مغلق (النمط المعروف للسجن) وثلاثة أسابيع في سجن مفتوح، فالسجن المفتوح هو المكان الذي تقضين فيه يومك بالخارج في حديقة ويمكنك استخدام الهاتف في أي وقت تشائين، وإذا بقيت هناك مدة طويلة، يمكنك أحيانًا الخروج مدة أسبوع والعودة من جديد! في الوقت الذي سُجِنتُ فيه كان هناك إضراب عن الطعام في العنابر، وكان السجناء يحتجون على سياسات العزل الحكومي لعبد الله أوجلان، اعتقدت أنه سيكون من الصعب العيش مع الأشخاص المضربين، لذلك قررت البقاء في زنزانة في الحبس شبه الانفرادي، ويكمن الفرق بين حالتي والحبس الانفرادي هو أنه سُمح لي بقضاء بعض الوقت في الفناء مرتين في اليوم.

كان يمكننا التواصل من خلال النوافذ وكان لدينا استراحة مدة تسعين دقيقة في الهواء الطلق مع ثلاثة سجناء سياسيين آخرين، لقد قرأت الكثير، وخاصة الأدب، وقرأت العديد من الرسائل، وكتبت الرسائل (كان معظمها من وإلى سجين آخر في نفس السجن الذي كنت فيه وكذلك السجناء في جميع أنحاء تركيا)، حلمت أحلامَ يقظة، واستمعت إلى الموسيقى من الراديو، كنت أرقص أحيانًا في المساء، واشتقت لابنتي وقططي وأي شيء يعرض على شاشة (إذ لم يكن لدي تلفاز)، ولقد فاتني وقت الطهي أيضّا!

لكن الحياة في السجن ليست انقطاعًا عن الحياة، لذلك فكرت بأنه علي أن أستمتع بها بطريقة أو بأخرى، في السجن المفتوح، بقيت في جناح مع نساء لديهن أطفال، وقد كان هناك ثماني نساء وخمسة أطفال لا ينامون أثناء الليل! وقد كنت السجينة السياسية الوحيدة هناك، لقد كنت هناك بسبب القمع السياسي وكانت معظم النساء الأخريات هناك نتيجة لأشياء حدثت لهن من خلال النظام الأبوي والرأسمالية، فبعضهن قتلن أو جرحن رجالاً اعتدوا عليهن بدنيا لذا أعتقد أنهن سجينات سياسيات أيضًا!

لقد غيّرتني هذه التجربة كثيرًا لأنني اضطررت للتعامل مع المشاكل التي لم أواجهها من قبل وقد كونت صداقات مع نساء لم أكن لألتقي بهن لو لم أُسجن، واضطررت للقيام بخدمة مجتمعية في مكتب التنفيذ في المحكمة، المكتب الذي استسلمت فيه، هذا هو المكتب الذي تُرتب فيه الأحكام ويحدد إلى أين سيذهب السجناء، أعني بـ "الاستسلام" أنني تقدمت بطلب القيام بهذا النوع من العمل أثناء مدة سجني، حضَّرتُ الشاي، ونقلت الوثائق من غرفة إلى أخرى، وختمت بعض الوثائق، وقابلت "المجرمين" الآخرين.

 

ريبيكا روث جولد: هل حدث أن ترجمتي عملًا كان له تأثير كبير في القراء الأتراك بشكل لم تكوني تتوقعيه؟

عائشة دوزكان: نعم ، حدث هذا بترجمتي لبيان SCUM، أحب النسوية الأمريكية الراديكالية فاليري سولاناس حبَّ رفيق التوجه والبنت والعمة، أحب ذلك الكتاب، وأعتقد أنه عمل هجائي رائع، ولكنه ليس دليلًا سياسيًا، إلا أنه يحظى بشعبية كبيرة بين النسويات الشابات الأتراك اللواتي يستلهمن منه ويحسبنه دليلًا سياسيًا، ولذلك أقول أحيانًا، "حسنًا ، لمَ لا!".

 

ريبيكا روث جولد: هل لديك أي خطط لترجمة نصوص في المستقبل؟ كتابات فردية وجديدة؟

عائشة دوزكان: لقد بدأت بترجمة المجموعة الشعرية للشاعر الأمريكي من أصل فلسطيني ريمي كنازي قبل سقوط القنبلة التالية: الصعود من بروكلين إلى فلسطين Before the Next Bomb Drops: Rising Up From Brooklyn to Palestine  في السجن وأخطط لإنهائه، وقد أحببت طريقة كتاباته ونظمه للمفردات، كما كنت قد بدأت ترجمة "The Big Push" لسينثيا إنلو قبل أن أُسجَن وسأعمل على إنهائه أيضًا، كما أنني أعمل على كتابة رواية وكتاب آخر غير روائي حول مسائل النسوية اليومية والحالية.

 

ريبيكا روث جولد: هل لديك أية اقتراحات للناشطين الراغبين في إظهار تضامنهم مع زملائهم النشطاء والأكاديميين والمترجمين في تركيا؟

عائشة دوزكان: لا، لأنني لا أعرف ظروف البلدان الأخرى، الشيء الوحيد الذي يمكنني قوله هو: من فضلكم لا تكتفوا فقط بدعم الأشخاص المعروفين والذين يتحدثون لغتكم الأم، أعلم أنه من الأسهل لكم الوصول إليهم والتواصل معهم، ولكن هناك العديد من الأشخاص الآخرين الذين لا يتمتعون بامتيازات كافية ليستطيعوا التعرف عليكم.

 

* ريبيكا جولد هي مؤلفة كتاب: كتاب ومتمردين: أدب التمرد في القوقاز  Writers and Rebels: The Literature of Insurgency in the Caucasus (مطبعة جامعة ييل، 2016)، وحصلت على جائزة جامعة جنوب كاليفورنيا للكتاب في الدراسات الأدبية والثقافية وأفضل جائزة كتاب من قبل جمعية المرأة في الدراسات السلافية، وهي مترجمة كتاب: بعد غد تختفي الأيام: الغزال والقصائد الأخرى After Tomorrow the Days Disappear: Ghazals and Other Poems لحسن سيجي من دلهي (مطبعة جامعة نورث وسترن، 2016)، وكتاب نثر الجبال: حكايات القوقاز The Prose of the Mountains: Tales of the Caucasus (مطبعة جامعة أوروبا الوسطى، 2015).

** بيان SCUM (Society for Cutting Up Men) هو بيان نسوي راديكالي من تأليف فاليري سولاناس، نُشر في عام 1967، يتطرق إلى أن الرجال دمروا العالم، وأن الأمر متروك للنساء لإصلاحه، ولتحقيق هذا الهدف، تقترح تشكيل SCUM، وهي منظمة مكرسة للإطاحة بالمجتمع والقضاء على جنس الذكور، ويعتمد البيان في سياقه على اهتمامات فلسفية واجتماعية.

*** النسوية المادية تسلط الضوء على الرأسمالية والنظام الأبوي بعدهما أساسيين لفهم اضطهاد المرأة، ويعدُّ الجنس في النسوية المادية من مكونات المجتمع، ويفرض المجتمع أدوار النوعين: مثل حمل الأطفال، على النساء، وتكمن وجهة نظر النسوية المادية المثالية في وجود مجتمع تعامل فيه النساء بطريقة متساوية مع الرجل اجتماعيا واقتصاديا.

 

ترجمة: عبير علاو.

تدقيق لغوي: مؤمن الوزان.

 

 

 


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

افتتاح موقع قرطاس الأدب

  افتتحنا موقع قرطاس الأدب ويمكنكم قراءة آخر مقالاتنا المنشورة عبر موقع قرطاس الأدب