المشاركات الشائعة

الأحد، 21 يوليو 2019

قرصنة الإنسان - يوفال نوح هراري.



إن أفضل نصيحة يمكن أن أمنحها لمراهق بسن الخامسة عشرة في مدرسة ما في المكسيك، أو الهند، أو ألاباما هي: أن لا تعول على البالغين كثيرا. الكثير منهم قد تكون نيته طيبة لكنهم لا يفهمون العالم. في الماضي، كان من السليم أن تتبع أقوال البالغين لأنهم عرفوا العالم المتغيّر ببطء بصورة أفضل، أما عالم القرن الحادي والعشرين فإنه يمضي بشكل مختلف. وبما أن مسار التغيير يتنامى فإنك لن تكون واثقا أبدا فيما إذا كان البالغون يخبرونك بنصائح أبدية أو منتهية الصلاحية. 
إذن، على من يجب أن تعتمد بدلا من هذا؟ ربما على التقنية الحديثة؟ إلا أنها مقامرة خطرة. بإمكان التقنية الحديثة أن تساعدنا كثيرا لكنك إذا منحتها السلطة اللا محدودة على حياتك فإنك ستتحول إلى رهينة في قائمة أعمالها. اخترع البشر جميعا الزراعة منذ آلاف السنين إلا أن التقنية الحديثة اشتد عودها بيد نخبة قليلة استعبدت الشريحة الكبرى من البشر. وجد أغلب الناس أنفسهم يعملون منذ شروق الشمس حتى غروبها، وهم يحملون دلاء الماء ويحصدون الذرة تحت أشعة الشمس اللاهبة. وهذا قد يحدث لك أيضا. 
التقنية الحديثة ليست سيئة إذا عرفت ماذا تحتاج في حياتك، فبإمكان التقنية الحديثة أن تساعدك للحصول 
على ما تحتاجه. أما إذا كنت لا تعرف ما الذي تحتاج إليه في حياتك، سيكون من السهل على التقنية الحديثة أن تشكّل أهدافك وتمسك بزمام السلطة في حياتك، ولا سيما بأن فهم التقنية الحديثة للإنسان في تزايد مستمر وتحسّن، وفي هذه الحالة قد تجد نفسك في خدمتها لا العكس. هل شاهدت الزومبي الذي يتجولون في الشوارع ويحدقون إلى شاشات هواتفهم الذكية؟ أتعتقد أنهم يسيطرون على التقنية الحديثة أم التقنية الحديثة من تسيطر عليهم؟ 
هل يجب أن تعتمد على نفسك إذن؟ تبدو هذه الأصوات عظيمة في Sesame Street أو في أحد أفلام دينزي ذات الطراز القديم لكنَّ في أرض الواقع هذه الأصوات بلا قيمة. حتى وإن بدأت ديزني تفهم هذا كما في Riley Andersen، كثير من الناس بالكاد يعرفون أنفسهم، وحين يحاولون "الإصغاء إلى ذواتهم" يصبحون فرائس سهلة للتلاعبات الخارجية. الأصوات التي نسمعها داخل رؤوسنا لن تكون جديرة بالثقة أبدا لأنها دائما ما تعكس الدعاية الإعلامية للدولة، وغسيل الدماغ الأيديولوجي، والإعلانات التجارية، لا البعوض البيولوجي الذي يطن في رؤوسنا. 
كلما تحسنَت التقنية الحيوية والتعليم الآلي (المكائني)، أصبح من السهل التلاعب بأعمق عواطف الناس ورغباتهم، وسيصبح الوضع مهددا بالخطر أكثر من مجرد "اتبع قلبك". عندما تعرف كولا كولا، وأمازون، وبايدو، أو الحكومة، كيف تسحب أوتار قلبك، وتضغط على أزرار دماغك، هل سيكون بإمكانك وقتها أن تخبرنا الفرق بين صوتك الداخلي وصوت خبرائهم التسويقيين؟
لكي تنجح في مهمة شاقة كهذه، عليك أن تبذل قصارى جهدك من أجل أن تعرف كيف يعمل نظام التشغيل في داخلك بشكل أفضل، لتعرف من أنت، وماذا تريد من الحياة. حثَّ الأنبياء والفلاسفة الناس لآلاف السنين لكي يعرفوا أنفسهم إلا أن هذه النصيحة لم تكن يوما من الأيام ضرورية كما هي الآن لأنك في أيامنا المعاصرة تملك منافسة جدية أكثر مما كانت عليه في أيام سقراط أو لاو تسي. 
تتسابق اليوم كوكا كولا وبايدو والحكومة جميعا من أجل قرصنتك. لا يتسابقون لأجل قرصنة هاتفك الذكي ولا حاسوبك الشخصي ولا حسابك المصرفي بل في سباق لقرصنتك أنت ونظام تشغيلك الحيوي. 
ربما قد سمعت بأننا نعيش في عصر قرصنة الحواسيب لكنَّ هذا نصف الحقيقة. في الواقع نحن نعيش في عصر قرصنة الإنسان!   
الخوارزميات تراقبك الآن. وهم يراقبونك في كل مكان تذهب إليه، وماذا تشتري، ومن تقابل. وسيتحكمون بخطواتك قريبا، وكل أنفاسك، وكل نبضات قلبك. ويعتمدون في هذا على البيانات الكبرى والتعليم الآلي لمعرفتك أفضل وأفضل. وفي يوم ما ستعرفك الخوارزميات أفضل مما تعرفه عن نفسك، ووقتها سيكون بإمكانهم أن يتلاعبوا بك ولن يكون بمقدورك فعل الكثير تجاه هذا الأمر. ستعيش في The matrix أو في The tureman Show. الأمر في النهاية عبارة مسألة تجريبية بسيطة، فإذا فهمت الخوارزميات الذي يحدث في داخلك بشكل أفضل مما تفهمه ستنتقل السلطة إليهم. 
قد تكون سعيدا تماما بالتأكيد لو انتقلت السلطة إلى الخوارزميات وتثق بها في تقرير شؤون حياتك وشؤون بقية العالم. لذا فإن كنت تريد هذا فكل ما عليك فعله هو الاستمتاع بالرحلة. أما لو كنت ترغب بالحفاظ على بعض السيطرة على وجودك الشخصي ومستقبل حياتك، عليك أن تجري أسرع من الخوارزميات، وأسرع من أمازون، وأسرع من حكومتك، لكي تعرف نفسك قبل أن يعرفوك. ولأجل أن تركض سريعا عليك أن تخفف متاعك. خلّف جميع أوهامك وراءك لأنها ستثقلك كثيرا.



ترجمة: مؤمن الوزان.


رواية انتظر حتى الربيع يا بانديني - جون فانتي.


(ملحمة أرتورو بانديني) 
الكتاب الأول.
مؤمن الوزان.


هي الرواية الأولى من رباعية جون فانتي الروائي والقصصي والسيناريست الإيطالي-الأمريكي. وتعد رباعية جون فانتي على نطاق واسع أعظم رواية كُتبت عن الحياة في لوس أنجلوس. ونشرت الرواية الأولى (انتظر حتى الربيع يا بانديني) سنة ١٩٣٨؛ لكنها لم تحظَ بالصدى الذي تستحقه، وبقيت رواياته على رفوف المكاتب يملأها الغبار حتى أعاد اكتشفاها الكاتب تشارلز بوكوفسكي من خلال  قراءته لرواية "اسأل الغبار" الرواية الثالثة من ملحمة أرتورو بانديني. 

قصة الرواية:

تدور الرواية عن سفيفو بانديني الأمريكي ذي الأصول الإيطالية، والّذي يعمل بنّاءً، صاحب العائلة، والذي يواجه مشاكل عدة، بسبب قلة مصادر دخله وقلّة العمل، والتي تضطرّه إلى الخيانة الزوجية.

١- عائلة بانديني.

تمثل عائلة بانديني محور الرواية الرئيس، إذ مثّلت الأم ماريا الكاثوليكية الملتزمة الواجهة الدينية للعائلة الإيطالية، والأبناء الثلاثة- آرتورو وأُغست وفدريكو- الدور الذي من خلاله عبّر فانتي عن مشاكل عدة تمثلت في مشكلة التأقلم مع المجتمع، بسبب أصول العائلة الإيطالية داخل المجتمع الأمريكي، والفاقة التي شكلّت للعائلة مشكلة في عيش حياة جيدة، والصراع النفسي بسبب التأثر الديني والمتمثّل في مواقف عدة مع آرتورو، التعصب الديني والالتزام الذي مثّله أوغست.

٢- ثنائية (الزوج - الأب).

بانديني بصفته زوجا لم تكن علاقته مع ماريا علاقة جيدة أو حتى طبيعية، فهذه العلاقة قائمة بين امرأة متدينة مهتمة بأسرتها وأب يعاني في كسب رزقه، وبذات الوقت روحه مفعمة بالحياة والنشاط، فيصل لمرحلة من العلاقة مع زوجته تكون فيها عاجزة عن المنح، نتيجة الحياة الزوجية ذات الطابع الثابت. ولبانديني الأب علاقته مع أبنائه، وهي علاقة ضبابية غير واضحة المعالم، لكن تأثيره في ابنه آرتورو واضح وجلي، إذ الأب بالنسبة لأرتورو رغم طباعه السيئة وعدم المحافظة على الأسرة باعتباره ربّها؛ يبقى هو الشخصية التي يطمح أن يكونها حين يكبر، ويقف على الدوام مع أبيه ضد أمه، ويرى فيه نفسه مستقبلا، طامحا إلى تكرار ما يفعله أبوه أن يحب كأبيه لكن دون أن يكرر خطأ الأب -الحب خارج الأسرة؛ وإن لم يكن يحب بانديني-، أما أوغست فتظرته لأبيه نظرة دينية وينظر إليه من المنظور الكنسي الذي يجب أن يلتزم به الأب. 

٣- كلاسيكية مرحلة.

صوّر جون فانتي في روايته هذه الجانب الزمني والمكاني للرواية حيث عبَّر عن كلاسيكية مرحلة مهمة في حياة الإيطاليين المهاجرين إلى أمريكا وخاصة في الربع الأول من القرن العشرين، حيث كانت تعصف بأوروبا نيران الحروب والحالة الاقتصادية السيئة والتشتت السياسي وقمعية السلطة. وقد صُنِّف من عظماء روائي القرن العشرين في أمريكا. ويتماز أسلوبه بالواقعية- الأدب الواقعي-.

أسلوب السرد.
أولا:
أسلوبه الرواية السردي، ينتقل من أسلوب الروائي المحيط بكل التفاصيل التي يرويها (سرد الحكي غير المتجانس)، إلى سرد بلسان الشخصية، كأن تكون تساؤلات أو تأملات أو أفكار أو الانتقال  من الحاضر إلى الماضي (الاستراجاعية) أو من الحاضر إلى المستقبل (الاستباقية)، لكن دون أن يحدث خلل بالسرد، أو تنافر بين الجمل وأسلوب عرض الحدث. وتشعر أن راوي القصة يتنقل من خارج ذات الشخصية إلى داخلها، يحيط بفعلها، ويدخل إلى تفكيرها، يروي السؤال، يعرض الحدث من عالمين داخلي وخارجي متزامنين ومنفصلين عن بعضهما ولكل مساره لكنهما يسيران باتجاه واحد دون أن يتصادما. 

ماريا، ماذا فعلتِ بسفيفو بانديني؟  ماذا فعلت بوجهي؟ (حديث داخل نفس الشخصية، عالم داخلي) 
يمضي رجل مربوع القامة متعثرًا، يغطي الثلج أكتافه وذراعه. (سرد الحكي غير متجانس، راوٍ يعرف تفاصيل قصته، عالم خارجي).

ثانيا: 

الانتقال من الحدث الحاضر إلى الماضي (الاسترجاعية Flashback)، دون تضارب زمني، أو فاصل ما بين الزمنين، فكأن الحاضر والماضي يجريان في خط مستقيم واحد، فيعود لرواية حدث ماضٍ مرتبطٍ بحاضر يرويه، وكذلك الانتقال من الحدث الحاضر إلى المستقبل (الاستباقية Flashforward)، فتبدأ الشخصية بالتفكير في المستقبل أو كيف سيكون الوضع في قادم الأيام -سواء كان تخيل أو توقّع- فتعيش حدث لم يأتِ داخل حدثٍ جارٍ، وكذلك بإلغاء الفواصل الزمنية بين حاضر معلوم ومستقبل مجهول؛ لكن الخط الزمني معلوم، يتنقل بينهما وفق ما يتطلبه الحدث أو فكر الشخصية.

فيلم The Borderما بين البشر والثعالب - لنا جعفر.

حين لمحتُ بطلة فيلم border 2018 الحائز على جوائز عدة، تينا لأول مرة، أعلن إحساسي وبصورة مريبة، أن الفيلم لا يتحدث عن البشر ولكن عن النظرة البشرية تجاه الثعالب. 
وبعدما أنهيت الفيلم، عاد الإحساس نفسه، ليس في ما يخص النظرة البشرية هذه المرة، بل في ما يخص تاريخ وجود الثعالب، والأساطير والحكايات الشعبية على مر الأزمان والعصور، التي جعلت من الثعلب رمزًا يمثل قوى الخير والشر معًا.


في البداية أود أن أذكر، في عام 1780، تحدث الكونت بوفون في كتابه "التاريخ الطبيعي بعمومياته وحيثياته" ولأول مرة بأن  الثعلب كائن مفكر، وإنه لا يصطاد فقط بدافع الجوع، كما تفعل الذئاب، بل أيضاً للمتعة؛ كما لو كان الصيد رياضة من الرياضات. وفي عام 2003 وبدافع الحرص على الثعالب ولتخليص البشر من معتقداتهم القديمة، عمدت قناة سويدية على تصوير برنامج عن الثعلب القطبي. وهو برنامج يمتد على مدى خمسة سنوات، ويهدف إلى المحافظة على الثعلب القطبي وعلى مسكنه من غزو الإنسان.


 تناول المخرج الإيراني "علي عباسي" في الفيلم، قصة امرأة ذات مظهر قبيح وغريب، تعمل موظفة في الجمارك السويدية، وتملك القدرة على اكتشاف ما بداخل الإنسان من شرور. تتصاعد الأحداث عندما تقبض على أحد المسافرين- بمساعدة ما تملكه من قدرة على معرفة ما بداخل الشخص- وبحوزته شريحة ذاكرة "رام"، تحتوي على صور لاعتداءات جنسية على أطفال. ومن هناك تستعين بها الشرطة السويدية في تعقب العصابة التي يشك أنها تختطف الأطفال وتعتدي عليهم، التي تقوم بتسجيلها وحفظها على شكل صور حية.


تلتقي تينا بشبيها -فوري- في أحد الأيام عند مروره عبر حاجز الجمارك، فتشعر بوجود ارتباط قوي في ما بينهما، يقودها إلى أن تتعرف عليه وتدعوه إلى السكن معها. لتعيش معه أوقات سعيدة، تكتشف خلالها نفسها وأصولها البيولوجية، متناسية مظهرها القبيح وهيئتها الغريبة.


ينقلنا المخرج بعد ذلك، إلى لقطات عن شعور تينا الكبير بوجود "شر كبير" يلف حول حبيبها فوري، الأمر الذي جعلها تقتفي  أثره لتجد أنه من ضمن العصابة التي تخطف الأطفال، بالإضافة إلى أنه يلد أطفال من نفس السلالة ويستبدلهم بأطفال البشر المخطوفين، وبذلك يضمن لسلالتهم البقاء من جهة، وينتقم من البشر من جهة أخرى. ينتهي الفيلم، بتسليم تينا لفوري إلى أجهزة الشرطة السويدية.


ولو شئنا أن ندرس الفيلم دراسة عينية، لكان علينا أن ندرسه في علاقته بالواقع. وما يجيء عادة في المحل الأول إنما هو الانطباع الذي يغمرنا كما قد يحدث احيانًا حينما تأخذ قلوبنا على حين فجأة منظر مرعب، أو حينما يستولي علينا شعور عجيب. ولكنها تتحول جميعها في الخاتمة إلى الوعي أو النتيجة. وهنا يحق لنا أن نتساءل: ماذا عسى أن يكون المعنى المخبَّأ وراء هذه الشخصيات الغريبة؟.


يبرز الثعلب، بفضل طبعه المبهم، من بين جميع الحيوانات، مخلوقا ناقصا وغامضا أو مخلوق سيئا. ويرجع هذا التصنيف إلى الأساطير والحكايات القديمة. حيث ظهر الثعلب في اليونان الإغريقية على هيئة ثعلبة (تيوميسان) التي اضطهدت سكان طيبة، كما روت كتابات وروايات العديدين. واعتادت هذه الثعلبة العملاقة، ابنة تايفوس (الوحش ذو مائة رأس) وإكيدنا ( أم الوحوش)، على ترصّد الطريق الرئيسي المؤدي إلى طيبة لتلتهم صغارهم. وبينما لا تتشابه هذه الأسطورة أيًا من الأساطير التي جاءت لاحقًا، تعتبر هذه الأسطورة المدخل الرئيسي إلى فيلم عباسي، لأنها ساهمت في شيوع نظرتها إلى الثعلب كقوة مخيفة يجب ردعها والتخلص منها كي يتمكن المجتمع الإنساني من البقاء والاستمرار.


وصلت هذه الإدانة الأخلاقية للثعلب إلى أرسطو. ووفقًا لمبدأه، صنَّف الثعلب ضمن المراتب السفلى، ليصف الثعلب كحيوان خبيث ودنيء، وذلك ينبع من عادته في الاختباء حيث لا يمكن للبحث الميداني الوصول إليه، فهو يتكون من الأرض، ويعيش في الأرض مختفيًا في ثنايا ظلمتها. 
وقد تردد صدى طبيعة الثعلب الدنيئة وانتمائه إلى الخبث والشيطان في جميع القصص والأوصاف وفي جميع الأزمان والحضارات. وانعكست هذه النظرة على الفكر المسيحي- اليهودي. حيث حصل الثعلب على نظرة خاصة خلال العصر المسيحي بسبب سكناه في الأرض، وذكاء غير المشروع، ولصوصيته. وأدت هذه النظرة إلى ربطه بقوى الشر والظلام كما ورد في النصوص القديمة التي تعود إلى العهد القديم.


أصبح الثعلب رمزًا للدمار التنوع الطبيعي، على عكس الحيوانات الأخرى. ظهرت آثار هذه الأفكار في محاولات البشر المتكرر للقضاء على الثعالب في العالم. ويعتبر الثعلب الوحيد من بين الثديات التي سمحت الحكومة البريطانية ليس فقط في قتله، بل ساعدت وكافأت من يقوم بذلك. 


تطور تراث الثعلب في الأعمال الفنية والمعمارية لأن ظهور الثعلب هو تجسيد بديهي للشر الشيطاني. أحد أشهر الحكايات عن الثعلب، هي تلك التي تروي جدله مع الفهد، أو صراعه مع الذئب والغراب، والقصة المشهور بها بإسم رينارد.


مؤخرًا، كرس بعض علماء الطبيعة جزءًا من عملهما لتبديد النظرة المذمة التي انصبت على الثعالب. وسبقهما غوته حين رأى نفسه في شخصية الثعلب رينارد. وعمد إلى تخليص ذكاء الثعلب من اللصوصية، وأبرز انعزال الثعلب وابتعاده، وعدم انتمائه إلى أي مجتمع.


قد لا يهتم المشاهد بمعرفة تاريخ الثعالب وأخلاقياتها، ولكنها بقيت ضمن الحدود والهوامش. ولو نظرنا إلى قصة البشر والثعلب، لوجدنا أن ما فيها من ضعف يرجع إلى عيوب في الميل تجاه السمات الفردية. والواقع أن الفيلم مجرد انعكاس للحالة الفعلية التي كانت عليها انطباعاتنا خلال فترة طويلة من الزمن، نظرًا لأنها كانت تبحث دائمًا عن المجتمع، كما كانت تحرص على تجنب كل ما قد يعد فرديًا. الفيلم، يعرض حالة الاستنكار العام التي نلقيها على جزء أو شيء لا يناسبنا.

حصار متسادا/مسادا



كان حصار متسادا (مسعدة بالعربية)* أحد الأحداث الأخيرة في الحرب اليهودية الرومانية الأولى، التي وقعت ما بين أعوام 73 -74 قبل الميلاد، في أرجاء قمة جبل عظيم (يطل على الساحل الغربي للبحر الميت) يقع في إسرائيل (الأراضي الفلسطينية المحتلة) حاليًا.

تم تأريخ حصار متسادا من قبل يوسيفوس فلافيوس، وهو قائد عسكري متمرد، يهودي الديانة، قام الرومان بأسره، وأصبح مؤرخًا في خدمتهم.
بحسب ما يذكر يوسيفوس لقد أدى الحصار الطويل الذي فرضته قوات الإمبراطورية الرومانية إلى الانتحار الجماعي للمتمردين السيكاريين، والعائلات اليهودية المقيمة في قلعة مسادا، على الرغم من أن البحوث الأثرية لا تؤكد ذلك.
أصبح الحصار مثيراً للجدل، حيث عدَّ بعض اليهود مسادا مكان تبجيل، لإحياء ذكرى أسلافهم الذين سقطوا بشكل بطولي في مواجهة القمع والطغيان، بينما عدَّه آخرون شاهد على التطرف ورفض التسوية.

الخلفية التاريخية لحصار متسادا
وصفت مسادا بأنها جبل معين الشكل، شامخ ومعزول، يبدو منيعًا في مظهره. ومن الناحية التاريخية لا يمكن الوصول إلى القلعة الواقعة في قمته إلا من خلال ممر واحد ضيق جدًا بحيث لا يسع رجلان السير فيه جنبًا إلى جنب. ويسمى هذا الممر "الأفعى" استنادًا إلى الطريقة التي يلتف بها ويتعرج  حتى الوصول إلى القمة.
تم إطلاق اسم مسادا على المكان الذي استراح فيه داود بعد فراره من والد زوجته الملك شاول.
الجدير بالذكر أن يوسيفوس فلافيوس - يهودي ولد ونشأ في القدس- هو المؤرخ الوحيد الذي قدم سردًا مفصلًا عن الحرب اليهودية الرومانية الأولى، والوحيد الذي سجل ما حدث في مسادا.
بعد أن تم القبض عليه خلال حصار يودفات، ثم أطلق الإمبراطور الروماني فسبازيان سراحه، قام يوسيفوس بتأريخ الحملة الرومانية. ويحتمل أنه استند في روايته على التعليقات الميدانية للقادة الرومانيين.
وبحسب ما يذكر يوسيفوس تم تشييد قلعة مسادا لأول مرة على يد الحشمونيين. و قام هيرودس الأول بتحصينها في الفترة ما بين 37 و 31 قبل الميلاد، ليتخذها ملجأ له في حالة حدوث تمرد.
وفي عام 66 ما بعد الميلاد - بداية الحرب اليهودية الرومانية الأولى- قام مجموعة من المتطرفين اليهود الذين يطلق عليهم اسم السكاريين (نسبة إلى حركة السيكاري) بالتغلب على الحماة الرومانيين لقلعة مسادا واستقروا هناك.
كانت مجموعة السيكاري تحت قيادة إلعزار بن يائير، وفي عام 70  ميلاديًا التحق بهم المزيد من السكاريين وعائلاتهم الذين طردوا من القدس من قبل السكان اليهود الذين كانوا في صراع معهم.
بعد ذلك بمدة وجيزة، وبعد الحصار الروماني على القدس وتدمير الهيكل الثاني، فر العديد من السيكاريين والعائلات اليهودية من القدس واستقروا على قمة الجبل، المكان الذي استخدمه السيكاريون ملجأ وقاعدة لمهاجمة المناطق الريفية المحيطة.
وعلى ضوء الشروحات الحديثة ليوسيفوس، فإن السيكاريين هم مجموعة متطرفة منشقة عن طائفة الزيلوت الذين كانوا يعادون الرومان والجماعات اليهودية الأخرى على حد سواء.
كان الزيلوت -على عكس مجموعة السكاري- هم الذين حملوا العبء الرئيسي للتمرد، وعارضوا الحكم الروماني ليهودا.
وفقًا ليوسيفوس  داهم السكاريون في عيد الفصح عين جدي وهي مستوطنة يهودية قريبة، وقتلوا سبعمائة من سكانها.
ويشير علم الآثار إلى أن السكاريين قاموا بتعديل بعض المباني التي وجدوها هناك، من بينها المبنى الذي تم تعديله وتوظيفه كنيسًا في الجهة المقابلة للقدس، والذي قد يكون في أصله كنيسًا على الرغم من عدم احتوائه على الميكفاه أو المقاعد الموجودة في المعابد القديمة الأخرى. وهو أحد أقدم المعابد اليهودية في إسرائيل. كما تم العثور على بقايا اثنين من أحواض الميكفاه في مكان آخر من جبل مسادا.

الحصار الروماني لمسادا
في عام 72 ميلاديًا قاد لوسيوس فلافيوس سيلفا (الحاكم الروماني لإيوديا) الفيلق الروماني إكس فريتينسيس "X Fretensis"  وعددًا من الوحدات المساعدة وأسرى الحرب اليهود، وبلغ مجموعهم نحو خمسة عشر ألف رجل وامرأة (ما بين ثمانية ألف إلى تسعة ألف من بينهم مقاتلين رجال) لفرض حصار على تسعمائة وستين شخصًا في مسادا.
أحاط الفيلق الروماني بمسادا وبنى الجدارالمعروف بـ circumvallation، قبل البدء ببناء طوق الحصار المنحدر على الوجه الغربي للهضبة، وذلك من خلال نقل آلاف الأطنان من الحجارة والطين.
لم يدوّن يوسيفوس أي محاولات من جهة السيكاريين للقيام بهجوم مضاد على المحاصرِين خلال هذه العملية، وفي هذا اختلاف شاسع عن رواياته عن الحصارات الأخرى للثورة.
تم الانتهاء من بناء الطوق المنحدر للحصار في ربيع عام 73، بعد شهرين إلى ثلاثة أشهر من الحصار.
 وتم بناء برج الحصار العملاق مع المدق وتحريكه بشق الأنفس فوق طوق المنحدر المكتمل. هاجم الرومان الجدار، وأطلقوا وابلًا من الشُّعل الملتهبة على جدار من الخشب، مما سمح لهم في نهاية المطاف كسر جدار القلعة في 16 أبريل  73 م.
وعندما اقتحم الرومان القلعة، وجدوا أنها "قلعة أموات".
قام المتمردون اليهود بإضرام نارًا في جميع المباني عدا مخازن الطعام، وقتلوا بعضهم، على مبدأ أن "الموت بشرف خير من حياة مع العار".
ونقلًا عن يوسيفوس: "كان اليهود يأملون أن يقف معهم كل شعوبهم ما وراء نهر الفرات لإثارة العصيان"، ولكن في نهاية المطاف، لم يكن هناك سوى تسعمائة وستين من يهود الزيلوت الذين قاتلوا الجيش الروماني في مسادا. وعندما حوصر هؤلاء المتعصبون على قمة جبل مسادا مع عدم وجود أي مجال للهرب، يقول يوسيفوس ظن هؤلاء المتعصبون أنه بمقتضى الضرورة ومشيئة الله  ينبغي أن يموتوا.
واستنادًا لما ذكره ويليام ويستون -مترجم أعمال يوسيفوس- نجت امرأتان من الانتحار حيث اختبأتا داخل صهريج مع خمسة أطفال، وقد نقلتا تحذيرات إلعزار بن يائير لأتباعه - قبل الانتحار الجماعي-  حرفيًا إلى الرومان:

"بما أننا قررنا منذ مدة طويلة ألا نكون خدمًا  للرومان، ولا لأي شخص آخر غير الله، وحده المعبود بحق، رب البشر جميعًا، فقد آن الأوان الآن لتطبيق هذا القرار على أرض الواقع… نحن  كنا أول من ثار، وآخر من قاتل؛ ولا يسعني إلا أن أقدر فضل الله علينا، بأنه لا يزال في استطاعتنا أن نموت بشجاعة، ونحن أحرار".
-إلعزار بن يائير

ونظرًا لأن اليهودية تحرم الانتحار، فقد ذكر يوسيفوس أن المدافعين أجروا قرعة وقتلوا بعضهم بالتناوب  وصولًا إلى الرجل الأخير الذي سيكون هو الوحيد الذي يقتل نفسه.
ويقول يوسيفوس أن إلعزار أمر رجاله بتدمير كل شيء ما عدا المواد الغذائية ليؤكد أنه برغم احتفاظ المدافعين بسبل العيش، ألا أنهم فضّلوا الموت على العبودية.
وقد أظهرت الحفريات الأثرية أن المخازن التي تحتوي على المؤن احترقت أيضًا، ولم يتضح إذا ما كان هذا من فَعل الرومان، أو اليهود، أو بسبب انتشار الحرائق.

ووفقًا لشاي كوهين فإن الآثار تظهر أن رواية يوسيفوس "غير مكتملة وغير دقيقة".
كتب يوسيفوس فقط عن قصر واحد، بينما كشف علم الآثار عن وجود قصرين، ووصفه للقصر الشمالي يحتوي على عدة أخطاء، وقد أعطى أرقامًا مبالغًا فيها حول ارتفاع الجدران والأبراج.
"إن الهياكل العظمية في الكهف، والحرائق العديدة في أماكن منفصلة تناقض رواية يوسيفوس".
وبحسب كينيث أتكينسون "لا يوجد دليل أثري على أن مدافعي مسادا قاموا بانتحار جماعي".


إرث مسادا

غالبًا ما يتم تبجيل حصار مسادا في إسرائيل الحديثة باعتباره "رمزًا للبطولة اليهودية".
تقول كلارا بالوتاي: "أصبحت مسادا رمزًا للموقف البطولي الأخير لدولة إسرائيل وقد لعب دورًا رئيسًا في رسم الهوية الوطنية لإسرائيل".
بالنسبة للكيان الإسرائيلي مسادا رمز لشجاعة محاربي مسادا، والقوة التي أظهروها عندما تمكنوا من السيطرة على مسادا لمدة ثلاث سنوات تقريبًا، وتفضيلهم الموت على العبودية في نضالهم ضد إمبراطورية معادية.
أصبحت مسادا اليوم مكان لعرض التراث الوطني، وموقعًا للاحتفالات العسكرية.
تتحدث بالوتاي عن كيف نشأت علاقة حب خاصة بين مسادا  وعلم الآثار وذلك لأن موقعها جذب الناس من جميع أنحاء العالم للمساهمة في العثور على آثار القلعة والمعركة التي حدثت هناك.
يعتبرها آخرون حالة تطرف لليهود الذين رفضوا تقديم تنازلات، ولجأوا بدلاً من ذلك إلى الانتحار وقتل عائلاتهم، وكلاهما محظور بموجب اليهودية الحاخامية.
ويشكك الباحثون في اكتشافات يغائيل يادين؛ عالم الآثار الإسرائيلي وهو أول من قام بالتنقيب عن مسادا.
لقد كانت مسادا ذات يوم مكانًا يحتفل به الإسرائيليون، أما الآن أصبح الإسرائيليون أقل تمجيدًا لفكرة الانتحار الجماعي والتعاطف مع المتعصبين الدينيين، وقد عاين علماء آثار آخرون اكتشافات يادين ووجدوا بعض التناقضات.
خلال تنقيب يادين وجد ثلاث جثث ادعى أنها ليهود من الزيلوت. ويزعم عالم الأنثروبولوجيا جو زياس وخبير الطب الشرعي آزريل جورسكي أنها جثث ثلاثة من الرومانيين الذين كانوا رهائن في حوزة يهود الزيلوت.
وإذا كان هذا صحيحًا ستكون إسرائيل قد منحت عن طريق الخطأ ثلاثة من الرومان شرف الاعتراف بهم بصفتهم أبطال يهود، وتحديد مكان دفنهم مقبرةً رسميةً.
هناك أيضًا بعض الجدل حول المدافعين عن مسادا  وما إذا كانوا من المتشددين الأبطال للثورة اليهودية الكبرى ضد روما أو أنهم عصابة من القتلة الذين أصبحوا ضحايا لعملية التطهير الرومانية الأخيرة.

للمشاهدة المرئية:
المصدر: 
  *ما بين الأقواس: إضافات المترجِمة.

  •   ترجمة بلقيس الكثيري.
  • تدقيق لغوي: مؤمن الوزان.

حب و قمامة لإيفان كليما - إيمان العزوزي.






 "القمامة عصية وحدها على الفناء مثل الموت".

"حب وقمامة" رواية للتشيكي إيفان كليما وأول رواية تترجم لهذا الكاتب عربيا من طرف دار التنوير والمترجم المبدع الحارث النبهان. صدرت سنة 1986 واستغرق كليما في كتابتها تقريبا ثلاث سنوات. قصة مستوحاة من سيرته الذاتية كونه يهوديا عاصر المحرقة اليهودية في الحقبة النازية وعاصر التعتيم الأدبي والرقابة السوفيتية الطاغية في عهد ستالين وهي أشياء سنرى لها سردا يوازي قصة الحب التي جمعته بفنانة متعطشة للحياة. قصة عن القلب تخفي رؤية سياسية للوضع القائم بالتشيك، قد يبدو للبعض العنوان مثيرا للاشمئزاز فكيف نتخيل أن  نجمع بين حب العاطفة الراقية وروائح العفن. جمع كليما بين ذلك بأسلوبه الجميل فحسب الكاتب القمامة هي أصدق الموجودات بالمجتمع لا تحتاج إلى تبرج أو كذب لإخفاء عيوبها هي حقيقة تنتفض خارجا وبقوة وتتحرر من الإنسان والطبيعة وتنتهي منتحرة حرقا بكل إرادتها. 
البطل وهو ليس إلا صورة للكاتب ذاته صحفي تخلى عن عمله طواعية لينخرط في عمل الكناسين ومنظفي الشوارع يختلط بهذه الطبقة يجالسهم ويحاورهم، وهي حوارات تتضح معها حجم المأساة الاجتماعية للمجتمع التشيكي تحت القمع والنظام الشمولي الشيوعي. وعاد البطل كاتبا من منفاه طواعية مفضلا أن يتحدث لغته مع أشخاص يحبهم عوض أن ينعم ببذخ في بلد سيلقب فيها مدى حياته بالغريب، فيهرب من واقعه بفعل الكتابة حتى لو كان ما يكتبه سيبقى حبيس أدراجه أو يتم تداوله عبر ما يعرف بـ"ساميزدات". كان يكفيه هذا الهروب المؤقت في عوالم افتراضية يصنعها قلمه حتى لو كان هذا القلم يناضل ضد لغة الحمقى التي تمجد كل ما هو ثابت في عقلية من لا يريد لبلده أن يتغير، عودته من منفاه الجغرافي وقلقه من منفاه الإجباري في وطنه دفعاه إلى إختيار القمامة منفا ثالثا.

اختيار البطل/ الكاتب لهذه المهنة يبدو عقلانيا وله أكثر من مبرر رغم أنه لم يوضحه تماما، القمامة جاءت بالرواية عنصرا يقابل غموض الكتابة وسموها، فهي الشيء الحقيقي الملموس الواضح العاري من المواربة أو الجبن في بلد تسيطر عليه لغة الحمقى والنفاق فتبقى الكتابة الحقيقية والأدب الصادق عصي عن الفهم لدرجة أن الكاتب يضاهي بينها وبين النبوة في السمو والأهداف فهو يعتبرها أمرا مقدسا حتى لو أعتبرها البعض مجرد كلمات تكتب والكاتب ليس سوى كاتبا يكتب. هذه الحيرة الوجودية لدى الكاتب وجدت منفاها الاضطراري في القمامة عملا واضحة أساسياته وروتينه  ولم تقتصر تساؤلات الكاتب على الكتابة فقط بل شملت الوجود الإنساني وحضور الإله والحياة، وهو في معرض الحديث عن هذا يبدو متأثرا بأعمال كافكا وناقدا لكتاباته ومحاولا تفكيك الخطاب الكافكاوي.

يدرك كليما تماما ويؤكد أن أي محاولة لإقرارحقيقة ما ليس سوى مناورة جيدة من لغة الحمقى لا أحد يستطيع تقديم حقائق حتمية وأي شخص يقوم بذلك ليس سوى مصدر لخطر مرتقب. حاول الكاتب أن يحدث بالرواية تناصا ما بين القمامة والوجود الإنساني يسمح للقارئ أن يدرك أن الإنسان في ظل الأنظمة الشمولية والقمع يبدو رخيصا رخص القمامة ذاتها مع فرق أن هذه الأنظمة لا تنتظر من يكنس من يعترضهم بل يقومون بأنفسهم بتنظيف "النفايات البشرية" التي تشوه جمالية صورهم أمام الناس.
وجود الإنسان ومغزى هذا الوجود كان هما يراود الكاتب ونقله لنا عبر صفحات الرواية من بدايتها للنهاية هما توافق مع عمله في جمع القمامة وحديثه مع شخصيات جمعته بهم القمامة كالقبطان المخترع وغيره من الشخصيات التي تخفي في رداء منظفي الشوارع حياة خلفية تكرس حيرة الكاتب حول الوجود الإنساني وعبثيته، فالقمامة هنا كناية عن هذا الوجود ذاته "القمامة مثل الموت فما الذي يكون عصيا على الفناء أكثر من الموت" ويستطرد الكاتب في هذا الخطاب قائلا أن الوجود الإنساني لا يفنى بل تبقى أرواح البشر عالقة مادامت البشرية موجودة تستثمر هذا الوجود بما يؤيد نظرياتها (وكم كان صادقا فبني جنسه أول من استثمر ما يدعونه بالهولوكوست لمصلحتهم).

بالإضافة إلى هذه التساؤلات الوجودية يقع البطل في مأزق أخلاقي بحبه لفنانة واعتقاده أن هذا الحب لا يشفع له بهجر زوجته ويتساءل "لماذا عليَّ تركها" لينتهي الجدل بتضحيته بحبه في سبيل قناعته الأخلاقية. قصة حب استثمرها كليما ليقدم لنا تنظيره حول الفن وعلاقة الفن بالطبيعة والعطاء البشري؟ وهل يستحق هذا الفن ما نأخذه من الطبيعة كمواد؟ وهل الإنسان لا يقسو على هذه الطبيعة بشرهه وطمعه في حين العطاء الإنساني لا يكون إلا عبارة عن قمامة،  ليخلص كليما في النهاية لفكرة أن الأرض لها طاقة لن تستطيع مهما حاولت أن تستوعب الإنسان الأناني بطبعه والقمامة في آن واحد.


المنظم الخارق: كيف تعيد ترتيب كامل حياتك بفرح!


مايكل بننجر*

أشعلت ماري كوندو ثورة الترتيب، ولكن لماذا نكتفي بإشعال جذوة الفرح هذه في ترتيب المنزل فقط؟
هنا نقدم لك أفضل الأفكار من مجموعة من الخبراء حول كيف تنقل ذلك التنظيم إلى حياتك.

إذا قمت بتسجيل الدخول إلى نتفليكس قبل بضعة أشهر، فهناك فرصة جيدة لاستقبالك بابتسامة من ماري كوندو -مؤلفة ياباني ومستشارة في التنظيم- إذ تم عرض مسلسلها التلفزيوني الجديد لأول مرة في يناير والذي بعنوان Tidying Up with Marie Kondo.
ويركز البرنامج المستوحى من كتابها الذي نشر عام 2015، The Magic Changing Changing of Tidying Up على لقاءات لكوندو مع العائلات والأزواج الذين يسعون لأن يصبحوا منظمين بشكل أفضل، وبتعبير أبسط، تقوم منهجية كوندو "KonMari" بالحفاظ على الممتلكات التي "تثير الفرح" في نفسك بينما تترك تلك التي لا تحدث أي تأثير، هذا السلوك التنويري تجاه الممتلكات -مقترنًا بتفاعل كوندو المحبب مع ضيوف الحلقات- دفع بالبرنامج لاكتساب نجاحٍ فوري في شتى أنحاء العالم.

حفّز كتاب كوندو وبرنامجها التلفزيوني ملايين الناس على تبني مفهوم الترتيب، والآن، يشارك مؤلفون آخرون وجهات نظرهم الفريدة بشأن التنظيم، بما في ذلك جريتشن روبن في كتابها الجديد "النظام الخارجي، هدوء داخلي" "Outer Order, Inner Calm"، روبن التي سبق أن تناولت موضوع التنظيم في كتابها الذي صدر عام 2012 "Happier at Home" تتعمق في الموضوع بشكل أكبر في كتابها الأخير، والذي يتناول أيضًا العديد من فوائد "التخفف" من الأشياء غير الضرورية.

فوائد التخفف

يقدم التخفف العديد من الفوائد، كما تلاحظ روبن في "Outer Order, Inner Calm"، بما فيها تحريرنا من الحالات الذهنية المحاصرة وغرس الشعور بالتحكم في مجالات أخرى من الحياة، وتشير الأبحاث أيضًا إلى أن الفوضى الكبيرة يمكن أن يكون لها تأثير سلبي على الرفاهية الشخصية، في حين أن الانتظام الشعوري النفسي يؤدي إلى اتخاذ قرارات صحيحة.

ولكن لماذا استغرق الأمر حتى عام 2019 لإعادة توجيه الدفة نحو الترتيب وتخطي موجة #OrganizationPorn في الانستغرام؟ ما الذي يكمن وراء هذا الانبهار الجديد في أن تصبح منظِّمًا أفضل، ولماذا -على وجه الخصوص- ضربت هذه الممارسة على الوتر الحساس لكثير من الأميركيين؟
ربما يكون ذلك استجابة لحقيقة أن الأمريكيين غير راضين وسعيدين مقارنة عما كانوا عليه في السنوات الماضية، وقد تم ربط الفوضى بمستويات عليا من عدم الرضا عن النفس، أو ربما يكون السبب في ذلك تغير المناخ وعدم الاستقرار السياسي، والأهم من ذلك، نهاية مسلسل صراع العروش الذي جعلنا نعيش في أوقات غير مستقرة، خلال هذه الفترات، يمكن أن تقلل السلوك الطقائسية -مثل الترتيب- من القلق من خلال السماح لنا بممارسة بعض أشكال التحكم في حياتنا.

بصرف النظر عن السبب الذي يجعل الترتيب موضوعًا ساخنًا هذه الآونة، فإن الاتجاه يمتد الآن إلى ما وراء الحجرات وأسطح المنازل إلى مناطق أخرى من حياتنا، في الواقع، يسعى بعض الناس إلى جني المزيد من فوائد التخلص من متعلقاتهم عن طريق دمج مبادئ التخفف في الجوانب الأخرى من حياتهم اليومية.




التخفف العميق

أدت شعبية أسلوب KonMari لتقييم العديد من الأفراد مجالات أخرى من حياتهم والقضاء على العناصر التي لا تثير الفرح، من الحسابات البنكية والتقويمات إلى صفحات وسائل التواصل الاجتماعي وحالات التفكير، إذ يهدفون إلى إلغاء الفوضى من حياتهم وتقليل تواجدها.

من بين المؤيدين الرئيسين لهذه العملية البروفيسور كال نيوبورت، مؤلف كتاب "العمل العميق" الذي صدر عام 2015 والذي حمل كتابه الجديد عنوان "التصور الرقمي: اختيار حياة مركّزة في عالم صاخب"، بالإشارة إلى ماري كوندو، يشجع نيوبورت أفراد المجتمع الحديث على تحقيق مستويات أكبر من السعادة من خلال تخفيف علاقاتهم مع المجالات الرقمية، بما في ذلك البريد الوارد، والهواتف الذكية، وشبكات التواصل الاجتماعي.

يرشد كتاب "التصور الرقمي" القراء لتبسيط مساحاتهم على الإنترنت من أجل أن يصبحوا أكثر فعالية في العمل، وفي الحياة بشكل عام، فدعى نيوبورت إلى بدء "تخفف رقمي كامل" لمدة 30 يوما، والذي يختلف عن التخلص من السموم الرقمية -الديتوكس الرقمي-، لأن التخلص من السموم يقودك في نهاية المطاف إلى عاداتك الأولية.

لا يعد نيوبورت المؤلف الوحيد الذي يقترح طرقًا للعيش بشكل أفضل من خلال العيش مع أقل الأشياء، ونظرًا لأن عملية التخفف أخذت مؤخرًا تعريفًا جديدًا بشكل أوسع، فقد تطورت لتصبح ممارسة تدور حول أكثر من مجرد إيجاد أفضل مكان لوضع ممتلكاتك.


نمو التنظيم

إذا كنت مهتمًا بتجربة المزيد من الفوائد التي تنهال عليك حين تصبح منظمًا أفضل، فإليك بعض الاقتراحات التي قدمها أفضل كتاب هذه الأيام:





ضع قائمة لكل ما في عقلك

في كتاب The Magic-Changing Changing of Not Getting a F * ck، تقترح الكاتبة سارة نايت أن عليك التخفف من زحمة أفكارك عن طريق وضع قائمة بكل ما تفكر فيه بانتظام وتحديد أنماط تفكيرك التي لا معنى لها.

ابدأ بالمهام العاجلة أولا

قم بتقليص قائمة مهامك عن طريق اكتساب عادة القيام بالمهام الفورية التي تستغرق أقل من دقيقتين، كما تنصح بذلك المؤلفة جوشوا بيكر في كتابها The More of Less: Finding the Life You Want Under Everything You Own.

اجعل الحياة أسهل على ورثتك

تفصل مارغريتا ماغنوسون، في كتاب "The Gentle Art of Swedish Death Cleaning" مبادئ الـ döstädning، وهي التقاليد الاسكندنافية المتمثلة في إلقاء الأمتعة قبل الموت، بدلاً من ترك فرزها للأقارب المليئين بالحزن بعد الوفاة.

خفف صحنك لحياة أطول

في كتاب "Ikigai: The Japanese Secret to a Long and Happy Life"، يشرح المؤلفان هيكتور غارسيا بويغسيرفر وفرانسيسك ميراليس كيف أن تناول أجزاء بسيطة وصغيرة من الأطعمة الغنية بمضادات الأكسدة يمد من عمر الإنسان.

تجاوز المادية باختيار الخبرات

يجادل جيمس والمان مؤلف كتاب Stuffocation، بأن علاج الغرق في الوفرة يكمن في احتضان التجارب وتعلم تقييم الذكريات أكثر من الاحتفاظ بالممتلكات المادية.




تجنب الكمال لتخفيف قوائمك

يمكن أن يؤدي الموقف التنافسي إلى تقويض جهودك بصفتك منظِّما، وهذا هو السبب في أن جيف ساندرز مؤلف "The Free-Time Formula" يدعو إلى التخلي عن عقلية الكمال لتبسيط جدولك.

قلل من اعتمادك على المال

يمكن أن تؤدي المشكلات المالية إلى قدر هائل من الفوضى العقلية وفقًا لمؤلفي كتاب         "Minimalism" جوشوا فيلدز ميلبورن وريان نيكوديموس اللذان يقدمان نصائح لتبني نهج بسيط جذري لإدارة الأموال.

احصر نفسك في الأساسيات

في كتاب "The Power of Less"، يشرح المدون والمساعد الذاتي ليو بابوتا
 "Leo Babauta" أنه من خلال تحديد المهام والمشاريع التي تعد ضرورية حقًا لتحقيق غرضك، يمكنك العيش بسعادة وإحراز تقدم ذي معنى في الجهود والأمور المهمة فعليًا.

*كاتب ومحرر.

ترجمة: عبير علاو.
تدقيق لغوي: مؤمن الوزان. 

افتتاح موقع قرطاس الأدب

  افتتحنا موقع قرطاس الأدب ويمكنكم قراءة آخر مقالاتنا المنشورة عبر موقع قرطاس الأدب