المشاركات الشائعة

الخميس، 4 يوليو 2019

موسوعة السرد العربي - د. عبد الله إبراهيم.


الكتاب الخامس.
مؤمن الوزان 

يتناول الكتاب الخامس من الموسوعة مرحلة جديدة ومهمة من الأدب العربي الحديث، وهي الأهم في القرن الماضي، واستمرت بالتطور حتى وقتنا الحالي والتي تتمثل في الرواية، يُفتتح الكتاب بعرض ونقاش قبولية الرواية في الوسط الثقافي العربي، ورفض بعض النخب الدينية والثقافية والفكرية لها لأسباب مختلفة منها دينية كأن تكون هذه الروايات مبنية على قصص مكذوبة أو تنقل حوادث تاريخية لم تحدث كما في الروايات المعربة، أو أن قراءتها لا تجلب أي منفعة أو فائدة، وتعاد نوعا ما مرحلة القص في التاريخ الإسلامي وكيف تم رفض القصاص ووصمهم بأسوأ الصفات بعد أن كانت لهم مكانتهم بعد خروجهم عن الغرض الذي شُرِّع لهم بالوعظ والنصح. ويقارن د. عبد الله إبراهيم حالة الاعتراض التي واجهت الرواية العربية في بداية الأمر مع قضية شبيهة لها في الأدب الفرنسي ورواية مدام بوفاري والتهمة التي وجهت إلى فلوبير بنشر الفساد ومحاربة الفضيلة عبر روايته التي أظهرت إيما بطلة الرواية تمارس الفاحشة عن رضا دون تأنيب للضمير، وبعد محاكمة المؤلف التي انتهت بتبرئته من التهم الموجهة إليه، شهدت الكتابة الروائية التحرر من أي قيود قد تمنع الكُتّاب من تناول المواضيع التي يودون بأي أسلوب كان. وكذا الحال مع الأدب العربي فإن انتشار الرواية بدأ يزداد والتوجه إليها بدت سماته واضحة، وشرع الكُتّاب بكتابة الروايات، كما عند المويلحي والخوري وعلي مبارك والبستاني، لكن المرحلة اللاحقة عرفت خلافا بارزا استمر حتى اليوم حول الرواية الرائدة في الأدب العربي، ووفق أي أسس وشروط وقواعد يتم اختيار الرواية الرائدة، لا سيما وهي فن أدبي نثري متطور بصورة مستمرة ولا تحده حدود ولا تقيده مستويات وصل إليها، بل أن الرواية الرائدة في كل الآداب تشهد اختلاف وعدم اتفاق على عمل ما، هذا ما يجعل الحديث حول رواية عربية رائدة محط خلاف لا يُمكن أن يعرف اتفاقا. وهذا ما يُناقشه الفصل الثاني من الكتاب ونقاش حول ريادة رواية زينب لمحمد حسن هيكل مستعرضا الآراء التي تقول بريادتها أو تقف بالضدِّ من هذا الرأي، وما بين مؤيد ومعارض، تستمر النقاشات حول هذه الرواية، سواء في الموضوع أو اللغة أو الأسلوب أو حتى استخدام "فلاح مصري" بدلا من اسم الكاتب نظرا لاعتبارات تخص كتابة الرواية وقتئذ، ويرجح د. عبد الله إبراهيم أن الآراء حول هذه الرواية اصطبغت بمرجعيات خارجية روّج لها المؤثر الغربي، ولا يمكن استخلاص رأي نقدي نقي كل النقاء من أي مؤثرات خارجية، مما يجعل الريادة محل شك، مهما رُوج لها ابتداء من مجلة البيان التي نشرتها لأول مرة سنة ١٩١٤. وتبقى مسألة الريادة ضبابية، إذ لا يمكن أن نعطي للرواية تعريفا شاملا وعناصر فنية نضبط بها كل الأعمال في إطارها، بل هي تمثل مرحلة تطور سردي شهدته كل الآداب العالمية شرقا وغربا، وبما أن الرواية تتطور في كل مرحلة بإضافة عناصر جديدة أو حذف أخرى فإن لكل مرحلة ريادتها الخاصة، ولا يمكننا دون شك أن نقول أن الرواية العربية ابتدأت بزينب متجاهلين العوامل التي ساعدت وأوصلت الرواية إلى هذا المستوى. لا يبخل د. عبد الله إبراهيم في نقض جميع الآراء التي تقول بالريادة من خلال طرح أمثلة لروايات سبقت رواية زينب احتوت العناصر التي قال المناصرون لرواية زينب أن لهذا السبب أو ذاك استحقت رواية زينب القول بريادتها للرواية العربية الحديثة. وبتطور الرواية في القرن العشرين، شهدت الرواية مواضيع ومرجعيات ثقافية نهل الرواة من بيئاتهم مواضيعهم طرحوها في رواياتهم كما لدى نجيب محفوظ وروايته التي تم عرضها ونقدها في الكتاب والتي ركز فيها على موضوع الأبوة والذكورة في روايات محفوظ: بداية ونهاية والثلاثية وملحمة الحرافيش وأبناء حارتنا. في هذا الفصل عرض نقدي سردي لهذه الروايات وتحليل لمكانة الأب ودوره في نسج متن الحكاية وتأثيره في محيط الأسرة، وذوبان العنصر الأنثوي في ماء الذكور الذي طغى في روايات محفوظ. أما المرجعيات الثقافية والتمثيل السردي لها، فكان الفصل الذي ناقش فيه الكتاب عدة مواضيع منها العلاقة بين الأنا والآخر في رواية موسم الهجرة إلى الشمال، والمدينة والصحراء كما في روايات إبراهيم الكوني، والطبائع الثابتة والمواقف المتحركة والذكورة والأنوثة، وغيرها من المراجع الثقافية التي استندت لها الروايات التي تم اختيارها. وهذه الفصول ليست مجرد عرض لمرجعيات ثقافية حوتها الروايات بل هي دراسات في السرد الروائي ونقده وتحليله، مما يضفي لهذه الفصول طابع نقدي يقف فيها القارئ على قراءة مستفيضة وعميقة لهذه الروايات، التي مثلت السرد التقليدي الشفاف، الذي لا يبحث عن أي التفاتات قد تعرقل القارئ وهو ما يمثله الجيل الأول من الروائيين العرب. لكن الجيل الثاني من الكُتّاب بحثوا عن التجديد والتغيير وهو ما تمثله الرواية من ميزة تجديدية وتغيّر مستمرين، يعرض الفصل الخامس هذه النقلة الجديدة في الروايات العربية اللاحقة لمرحلة التأسيس والبحث عن طرائق سردية جديدة والغوص في العوالم السردية، والبحث عن سبل جديدة في بنائها بعيدا عن الطرح المباشر والواضح وكون الحكاية هي المحور الرئيس الذي يصب الكاتب كل اهتمامه فيها، بل أصبح السرد ومستويات السرد وبناء الشخصيات وطرق عرضها وعلاقاتها مع الراوي والمؤلف هي أيضا شغلهم الشاغل، وهو ما أراه يمثل مرحلة نضج فكري لدى الرواة، فبعد أن استلموا مشعل الرواية من سابقيهم، بدأوا مرحلة تأسيسية مختلفة قائمة على فهم الفن الروائي وما هي العناصر التي تقوم عليها الرواية من أجل إضفاء لمسة خاصة تدفع الرواية العربية إلى الأمام هذا ما تزامن مع شيوع رواية ما بعد الحداثة في أوروبا وأمريكا وخضوع الرواية لمؤثرات جديدة لم يعرفها السابقون، كل هذا جاء وفقا لتغييرات العصر الفكرية والاجتماعية والثقافية والسياسية والاقتصادية، والرواية العربية والروائي العربي لا يقل عن نظيره الأجنبي وليس بمنأى عن تغييرات العالم، مما دفع جيل من الروائيين إلى التطلع أماما برواياتهم. ويصطلح الدكتور السرد الشفاف على السرد التقليدي الذي انصب اهتمامه على الحكاية، في حين يصطلح السرد الكثيف على السرد التجديدي الحديث في النصف الثاني من القرن العشرين، وهذا السرد الذي أصبح غايته ليس عرض حكاية بل وكذلك عرض الطريقة التي تُبنى فيها الحكاية ومستويات السرد، والتداخل بين الرواة والمؤلفين والشخصيات، وكذلك تنوع المواضيع والتركيز في بعض الروايات على مواضيع جديدة تخص المهمشين وإعادة صياغة المرجعيات الثقافية، وكذلك الاهتمام بعنصر الزمن في الرواية، وترك الأسلوب المتوالي الكرونولوجي، وكذلك تعدد مستويات الحكاية، والاهتمام بكيفية ترتيب النص السردي وتكوينه وتكوّنه، والتدخل المباشر من الرواة في إضافة تعليقات أو شروحات، دون التواري والتماهي مع الحكاية والاختفاء خلف راوٍ عليم، ومع مجموعة من الروايات المميزة لروائيين، نجد مرحلة نضج متزامنة مع نظيرتها في أوربا وأمريكا، وكذلك تمثل هذه المرحلة بتقنياتها الجديدة، مرحلة ما بعد الحداثة في الرواية العربية، سواء على مستوى السرد أو المواضيع أو التقنيات التي يلجأ لها الروائيون في تقديم مادتهم الأدبية، وفي فصلين كاملين يشرع الدكتور برحلة في فضاء هذه الروايات عارضا إياها ومحللا وناقدا، برؤية موضوعية عارفة شاملة لتلافيف الرواية ومما يزيد من أهمية قراءته ودراسته لهذه الروايات هو الثقافة والاطلاع على الآداب الغربية مما يضفي للقراءة بعدا أكثر توسعا وعالمية، مؤكدا فيه على المستوى الذي وصلته الرواية العربية من نضوج وبلوغ أدبي وتقني وفني، لا يقل عن نظيراتها في الآداب الأخرى.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

افتتاح موقع قرطاس الأدب

  افتتحنا موقع قرطاس الأدب ويمكنكم قراءة آخر مقالاتنا المنشورة عبر موقع قرطاس الأدب