المشاركات الشائعة

السبت، 20 مارس 2021

فقدان الهوية الأنثوية في حكاية الجارية



تصارع النسوة منذ الأزل وحتى يومنا هذا من أجل حماية فردانيتهن في مجتمع تحكمه السلطة الذكورية. إذ ينافسن الرجال في التعبير عن رؤاهن، والمطالبة بالمساواة الحقوقية. يشترك الإعلام والمجتمع  في التغاضي عن القضايا التي تتعلق بالمرأة وحقوقها على نحوٍ مقصود، لذا فهي تُهمل أو يستخف بها. في رواية مارجريت أتوود (حكاية الجارية) تكافح الشخصيات النسائية  في سبيل نيل السلطة والوصول إليها. ينجم اختلال التوازن هذا من هيمنة  الرجل المطلقة،  وانعدام الحرية، وتدمير الفردانية، كما تواجه الشخصيات النسائية مشقة اكتساب إحساسها الحقيقي بالذات. إذ يكافحن سطوة الرجل في عالم جلعاد، وذلك بغية إيجاد هويتهن الضائعة. مع ظهور جلعاد، تفقد النساء سيطرتهن بالكامل، ونتيجةً لهذا تُعزَز سطوة الرجل و تزداد رسوخًا. يستغل الرجال هذه المزية عبر بناء مجتمع يدمر المرأة ويضعف مكانتها. يجبرن النساء في عالم جلعاد على ترك وظائفهن، وتحويل كل أموالهن إلى ذكور المنزل. يدخل النظام الأبوي حيز التنفيذ عندما تُسحب الامتيازات من أوفريد: "طُردت من العمل" (الرواية ص 205). ليس هناك تفسير واضح لذلك. تحاول مويرا شرح الأسباب لأوفريد: "كل حساب أنثوي "M" يستبدلونه بحساب ذكوري "F"." (الرواية ص 206). تدخل أوفريد في حالة صدمة وذهول بعد تبيان ما يجري. يسلب منها احساسها بالقوة عندما قيل لها: [النساء] لا يتملَّكن بعد الآن" (الرواية ص 206). فقدت أوفريد وظيفتها ومالها وسلطتها التي كانت ذات يوم حقًا لها. لم يبق لها شيء، لم تعد امرأة مستقلة. كما يُمنح زوجها لوك سيطرة كاملة على كل مواردها المالية. وهذا يدل على هيمنة الرجل في هذا المجتمع الجديد والأدوار الجنسانية المطبقة في جميع أنحاء البلد. وبدلاً من الكفاح من أجل حقوق المرأة، يأتي لوك بسهولة ليتقبل واقعه الجديد إذ إنه غير ملزم بمحاربته. يُنظر إلى رجال هذا المجتمع الجديد على أنهم أكثر قوة ودراية. مع ازدياد سيطرة الرجال وهيمنتهم، تحِطُّ جمهورية جلعاد من قيمة النساء، الأمر الذي يمنعهن من العثور على شعورهن الحقيقي بالذات. وعلاوة على ذلك، فإن الافتقار إلى الحرية الذي تواجه المرأة في الرواية يتحدى قدرتها في اكتساب شعورها الحقيقي بالذات لأنه يرعى حرية المرأة سوى في وظيفتها المخترعة حديثًا. ثمة منظور مختلف عن الحرية في جمهورية جلعاد حيث الخادمات يستخدمن لغرض التكاثر فقط. يجري قبل إرسالهن إلى العمل لدى الأسر إدخالهن إلى  مدارس حيث ترشدهم المعلمات، ويدربونهن على النجاح في آداء أدوارهن كما هو مطلوب. (هل احتفظ بها أو أزيلها. خلال أحد دروس الخادمة ، تقول العمة ليديا: إنَّ "[هناك] أنواع مختلفة للحرية... الحرية كي.. والتحرر من.." (الرواية ص 28). فالنساء عرضة لنوعين من الحرية في عالم جلعاد. في هذا المجتمع، لا تعنف المرأة، ولا توجه لها الإهانات الجنسية، ولا تخضع كذلك لمعايير جسدية سامة، ولكن لكونها امرأة، لا تتمتع أيضًا بحرية العمل أو الحب أو فعل ما يحلو لها. ومع هذا الافتقار المفاجئ للحرية، تكافح المرأة أكثر من غيرها لاستعادة هويتها. إذ لم تعد قادرة على اللباس أو الكلام أو حتى التصرف كما تشاء. فعلى سبيل المثال يُسلب من سيرينا جوي،الشخصية الناجحة والمجتهدة في عملها، كُلُّ على نحو مفاجئ. كانت في يوم من الأيام امرأة عاملة حرة تسعى وراء حلمها في الغناء، إلا أن الرجل سلب منها كل شيء. تشعر أنها منفصلة عن ماضيها، كما تفقد نفسها وحريتها في التعبير عن هويتها. تكافح جميع نساء جلعاد للحصول على إحساسهن الحقيقي بالذات بسبب الافتقار إلى الحرية. بالإضافة إلى ذلك  يؤدي تدمير شخصية المرأة إلى خلق معاناة الحصول على إحساس حقيقي بالذات. إذ يحاول جلعاد إزالة الفردية عبر توحيد الملابس والأسماء والوضع الاقتصادي العام. تُمنح النساء ملابس محددة اعتمادًا على أدوارهن في المجتمع، الأمر الذي يقلل من قدرتهن على التعبير. كما تمنع الأسامي الشخصية من تصنيف النساء والتحكم بهن أيضًا. تقول أوفريد السجينة بوصفها خادمة: "غير مسموح لي بذكر اسمي، لدي اسم حقيقي لكنهم منعوني والجميع من استخدامه" (الرواية ص 95). حظر اسمها أشعرها وكأنها تتلاشى تفقد نفسها. كانت نُقْلًا من أسرة إلى أخرى، وتُمنح أسماء جديدة تتوافق وقائدها الجديد. وباستمرار نقلهم وإعطائهم أسماء مختلفة، تُخلَّفَ الخادمات مع شعورهن بالضياع وعدم اليقين من الهوية. قد يُعرض اسم السارد الآن،  لكن بُعيد ذلك بقليل ستكون هناك أوفريد أخرى. فلا هوية حقيقة لأوفريد. فهي تُعرّف من خلال قدرتها على الإنجاب فقط، وليس من خلال شخصيتها أو رجاحة عقلها. قيمة المرأة في الرواية مرتبطة بجسدها وعضو التكاثر فقط، وإلا فلن تمثل أهمية للمجتمع.  تجبر المرأة على ترك هويتها السابقة في سبيل التكيف مع النظام الجديد هذا. النسوة في عالم جلعاد ليست سوى غرض أو رهينة. في نهاية المطاف، تناضل الشخصيات الأنثوية في رواية مارغريت أتوود للحصول على الشعور بالنفس بمجرد أن توضع جمهورية جلعاد في حيز التنفيذ. مع تفهم هيمنة الرجال وانعدام الحرية وتدمير الفردية التي تواجهها النساء، يفقدن إحساسهن بذواتهن. الهوية هي ما تُشكل الفردانية. يمكن للمرء مع الأصدقاء والعائلة والمكياج والأسماء والملابس والحرية أن يبني إحساسًا بالذات والتفرد. ولكن بمجرد أن يُتخلص من جميع هذه الكماليات، فإنه يجعل من الصعب على الفرد تحقيق إحساس بالهوية، مما يتسبب في فقدانهم لأنفسهم وأهدافهم في الحياة.

UKessays

ترجمة: شوق العنزي.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

افتتاح موقع قرطاس الأدب

  افتتحنا موقع قرطاس الأدب ويمكنكم قراءة آخر مقالاتنا المنشورة عبر موقع قرطاس الأدب