المشاركات الشائعة

الجمعة، 23 أغسطس 2019

موسوعة السرد العربي - د. عبد الله إبراهيم.


مؤمن الوزان.
الكتاب السابع.

الكتاب السابع من موسوعة السرد العربي، تم تخصصيه لمواضيع مهمة ومتشعبة، كالسيرة والأوطان والمنافي والهُوية وصورة الآخر والسيرة الذاتية والسيرة الروائية والرحلات والتحولات الدينية داخل الأعمال الأدبية. وتناول الفصل الأول من الكتاب صورة الوطن في المنفى والعلاقة مع الأوطان التي جاء الإنسان منها، هذه العلاقة التي تتأرجح ما بين الحنين إلى الوطن والماضي "نوستالجيا" والتأقلم مع كل شيء جديد في الوطن الجديد من الحياة واللغة والثقافة والبشر والتاريخ، وهذا ما تمثل في إنتاج إدوارد سعيد، والذي عرض د. عبد الله في الفصل الأول من الكتاب دراسة تحليلية لبعض أعمال إدوارد سعيد كالاستشراق وسيرة إدوارد سعيد الذاتية، وهي السيرة التي كتبها إدوارد بعد إصابته بالسرطان، والذي تحدث فيها عن سنينه الأولى وعلاقته مع والده ووالدته، وما حملته هذه السيرة الذاتية من العوامل والمؤثرات التي كان لها الأثر الكبير في حياة إدوارد وتكوين شخصيته. وتناولت الفصول اللاحقة تتابعا مواضيع المدن المستعادة والهوية السردية، من خلال دراسة العديد من السير الذاتية، وهي السير التي تناولت مدنا عاش فيها الكُتّاب ومحاولة استعادتها عبر الذاكرة والتخيّل كما في سيرة مدينة لعبد الرحمن منيف، وغيرها، التي حاول فيها الكتاب بناء المدينة عبر الذاكرة وملء الفراغات بالتخيل أو ما حاولوا رسمه حسب ما تمليه عليه تصوراتهم، وتكشف هذه السير تمزقا جوانيا يعيشه هؤلاء فهم لم يستطيعوا البقاء في مدنهم وبلدانهم لأسباب قهرية مختلفة، ورغم عيشهم في مدن جديدة إلا أن ولاءهم بقي لتلك المدن التي نشأوا وجاءوا منها، ليفتحوا باب السؤال عن معنى الانتماء وقيمة وحقيقة الأواصر التي تربطهم بالأرض الجديدة، والتي تتضح صورتها وحقيقتها الواهية، وأن الزمن مهما تقدم بهم فيها إلا أنها تبقى غير كافية لأن ينتموا إليها. ومن المواضيع المهمة التي تم طرحها في هذا الكتاب هو أدب الاعتراف وبمجموعة من الشواهد مثل كلمة أورهان باموق بعد نيله النوبل وكتاب عراقي في باريس لشمعون صموئيل، ناقش فيها د. عبد الله موضوع الاعتراف ومدى حقيقة الاعتراف ومن يملك الجرأة على الاعتراف، وتتداخل هذه المواضيع مع المرجع الحقيقي والواقعي الذي يمنح الكاتب كل الأدوات التي يحتاجها من أجل الإفصاح عن خبايا تخص العائلة والدافع للكتابة كما في حالة أورهان، وشهد كتاب عراقي في باريس، عرض العديد من المواضيع الخاصة بالهوية والعلاقة مع الآخر، شمعون العراقي الآشوري المسيحي وحلم السفر إلى أمريكا ليقع بعدها بيد القدر راميا إياه في شوارع باريس في وجهة جديدة، لكنه يُفصح في كتابه عن الكثير من الحوادث والمواضيع المتعلقة بالذات والروابط الدينية والنزاعات الهُوياتية ذات الطابع الديني، لتكون محركا لمادة نقاش وتحليل لمواد تطرحها مادة كتاب شمعون. وموضوع الهُوية من أبرز المواضيع التي تم تناولها ومناقشة الكتب التي احتوت هذا الموضوع سواء كانت روايات أو سير روائية أو سير ذاتية أو حتى روايات رحلات، ومثلت مواضيع الهويات المتحولة والثابتة والهوية الدينية والعلاقة مع الآخر سواء في حالة الانسجام أو التنافر مادة دسمة، وهي بقدر ما تجيب على الأسئلة  فإنها تطرح أضعافها وكلما حاول الدكتور أن يقف ويلملم أطراف المادة تبدو أكبر من أن تلمها شروح أو تستعرض أُفقها وأفكارها سطور. موضوع الهوية اليهودية وما كتبته الأقلام اليهودية سواء في اليمن أو العراق، من المواضيع التي طرحت عدة إشكاليات حول مفهوم الهوية الوطنية والدينية وتحديد الانتماءات وما تتعرض له الأقليات، وبذات الوقت تكشف مدى قصور بعض الإنتاجات الأدبية والكتابية عن تبيان الحقيقة الكاملة كما لدى اليهود العراقيين ومحاولاتهم تصوير العداء تجاههم دون نقد الذات أو تبيان العلاقة بين ما تعرض لها اليهود في العراق وإقامة الكيان الصهيوني دولته على أرض فلسطين، أرض مغتصبة طرد أهلها وهجّرهم وقتلهم مما أدى لنقمة عامة الناس على اليهود. وعلى الرغم من كل هذا ومن الهجرة من العراق إلا أن هؤلاء الكتاب العراقيون اليهود بقوا في حالة حنين إلى بلدهم، من خلال محاولة تصوير ما تعرضوا له وما كتبوه من أجل أرشفة حياتهم السابقة، واعتبار أنفسهم في منافي وليسوا في بلدانهم الأصلية. هذه المواضيع التي وضعها الدكتور في عنوان الهوية الملوثة، هو عنوان يوحي بعدم النقاء التام لهذه الهوية، من خلال النظرة الدونية إليها من قبل المكون الأكبر الذي تعيش فيه، فهم ينظرون إليها بنظرة الريبة وعدم التصديق الكامل، وكذلك مدى رغبة هؤلاء اليهود في الامتزاج مع المجتمع والخروج من تقوقعهم على ذواتهم وعيشهم في مجتمعات مغلقة. وفتح الباب أيضا على باب اللغة المكتوبة، وتساءل هل يُعتبر ما كتبوه أدبيا عربيا أو تراه أدبا يهوديا، وهل العرق أو اللغة هي التي تحدد أحقية ضم ما كتبوه بالأدب العربي، ويكشف في متن الفصول عن قيام الكثير منهم بالكتابة بالعربية ورفض اللغة العبرية والكتابة عن الحياة في العراق وارتباطهم بهذه الأرض والحياة فيها، الأمر الذي يجعل د. عبد الله إبراهيم يقول بأن محاولة فصلهم عن هذه الأرض أمر مستحيل وبذلك يضم ما كتبوه للأدب العربي. ويعد موضوع السيرة الروائية والكتب التي نهجت نهج هذا النوع الأدبي الجديد، والذي يوضح د. عبد الله أن كثيرين كتبوا اسم رواية على كُتبهم ذات طابع السيرة الروائية، ولم يدركوا هذا النوع، ويضيف هذا من طبيعة الأنواع الأدبية الجديدة التي يتم الكتابة فيها وبعد أن تشيع يتم دراسة عناصرها وإطلاق أسماء لها، وهو الحال مع السيرة الروائية. التي يكشف اسمها معناها، مكونة من شقين رئيسين هما السيرة والرواية، فيعتمد الكاتب على سيرته الذاتية الحياتية تمثل الجانب الحقيقي الواقعي السيري ويضم إليها أفكارا وخيالات وكتابات غير حقيقية تمثل الجانب الروائي منها، فهي بهذا يتمزج فيها الحقيقي مع الخيالي، في إنتاج فن أدبي وعمل كتابي يستغله الكاتب في جعل سيرته منبعا لكتاباته. تتنوع المواضيع التي يتم الكتابة عنها عبر هذا النوع الأدبي ما بين التوثيقي والتصويري والكشف والدخول إلى عوالم مُغيّبة واستثمار التجربة الذاتية في مد التجربة الكتابية الخيالية بكل ما تحتاج إليه من روافد تقوي من موقفها وتشد من أزرها. ليتناول بعدها عديد السير الروائية لكُتّاب مختلفين، يُمثل إنتاج كل منهم مادة الموضوع الذي حاول د. عبد الله أن يقف فيه على الجوانب الممكنة التي قامت عليها السيرة الروائية. مثلت الهُويات الدينية والتحول، مادة دسمة في دراسة الأديان وتوثيقها والمقاربة والمقابلة فيما بينها مما يفتح الباب أمام التداخل والتعايش بين أتباع هذه الأديان، وتعتبر الهوية الدينية من المواضيع الشائكة التي تقتحم الحياة داخل المجتمعات ومدى تظافرها في خلق هُوية واحدة تجمع الناس وتصهرهم في بوتقة واحدة بعيدا عن أي تمايزات أو اختلافات، ونجد في هذا الفصل ثلاثة نماذج يدرسها ويحللها في متن بحثه الموسوعي لدعم ما يريد إيصاله إلى القارئ، ولكن الغريب في هذه النماذج أنها مترجمة، على غرار اسم الوردة وشفرة دافنشي، وهي روايات توثيقية وبحثية دينية، ومنها ما أرّخ مرحلة مهمة من صراع الكنيسة والإمبراطور في القرن الرابع عشر في أوربا. السؤال الذي يطرح نفسه، ما علاقة هذه الروايات بالسرد العربي؟ قد يُفهم كما في الكتاب السادس الاستشهاد بكتب الفكر النسوي الغربي باعتبارها الأسس والمراجع التي استمدت منها النسويات الأفكار عبر العالم ومثلت الانطلاقة الرئيسة وأصبح الترابط حتميا بين الحركات النسوية، لكن موضوع التحولات الدينية والبحوث التوثيقية أو البحثية في أصول الأديان لأقلام غربية يجعل هذه النماذج في الكتاب تمثل اضطرابا في الموسوعة، فهل هو يبحث ويدرس ويحلل مواضيع من كل الآداب أو هو يبحث فيما أنتجته الأقلام العربية حصرا، كما هو الحال مع العنوان العريض للموسوعة والتتبع التاريخي للسرد العربي كما في الكتب الخمسة الأولى، وكثيرا ما استطرد الكاتب في ذكر نماذج من الآداب الغربية يدعم بها تارة كمصدر ثانوي المواضيع التي تناولتها الكتابات السردية العربية  ويمكن تفهم هذا كنوع من التطعيم في النماذج المعروضة، لكن أن يتم اتخاذ النماذج الغربية كموضوع رئيس يُناقش هذا ما لم أفهم سببه وما دخله بالسرد العربي! لا يعني الانتقاص مما تم تقديمه لكنه يدفعنا إلى التساؤل عن المنهجية التي اتبعها الباحث الدكتور عبد الله التي لم تكن واضحة في بعض فصول كتابه أو لم يلتزم بما ابتدأ به بنحو أكثر دقة في التشخيص. ختم الكتاب السابع من الموسوعة مع موضوع الترجمة والمترجمين وانتحال شخصية المترجم، ونسبة العمل إلى مصدر مجهول وكان دور الكاتب فيه دور الناقل فقط، وهذا الأسلوب الذي يلجأ له الكثير لأسباب متعددة منها، عرض أفكار والتبرؤ منها في حالة لقيت استهجانا ورفضا، أو إضافة الإثارة للقارئ ومده بنوع من الحماس، ومنها ما يكون أسلوب عرض يستخدمه الكاتب بما يلائم متن روايته. يتفرع الموضوع في الفصل الختامي إلى فروع مختلفة منها ما يمت لمتن الرواية بصلة كحال المترجم كما في رواية ليون الأفريقي ومنها ما له دلالة إطارية تضع العمل في حدودها، إضافة إلى التملص من المسؤولية كما في رواية عزازيل.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

افتتاح موقع قرطاس الأدب

  افتتحنا موقع قرطاس الأدب ويمكنكم قراءة آخر مقالاتنا المنشورة عبر موقع قرطاس الأدب