المشاركات الشائعة

السبت، 10 أغسطس 2019

موسوعة السرد العربي - د.عبد الله إبراهيم.



الكتاب السادس.
مؤمن الوزان.

خُصص الكتاب السادس من الموسوعة للسرد النسوي فقط، ويكتب د. عبد الله في تقديمه لهذا الكتاب بأن السرد النسوي قام على ثلاثة مراحل: الأولى نقد الثقافة الأبوية والذكورية؛ والثانية اقتراح رؤية أنثوية للعالم؛ والثالثة الاحتفاء بالجسد الأنثوي؛ واشتبكت هذه المكونات في بلورة مفهوم الرواية النسوية التي صارت تعرف عليه اليوم. 
امتازت الأجزاء السابقة في الموسوعة على إبراز تفرد وصيرورة السرد العربي الذاتية، ومحاولة نفي أي شائعات تربط تطوره بالآداب الغربية، ولا سيما ما يخص الرواية الحديثة، كما يُلاحظ القارئ في الكتابين الرابع والخامس، لكننا نجد في كتاب السرد النسوي، وفي تقديم الفكر النسوي والحركات النسوية والأسس التي انطلقت منها والأهداف التي رامت إليها، أن د. عبد الله اعتمد اعتمادا كاملا على الفكر النسوي الغربي في الثلث الأول في كتابه، وهذا ما يُشير لنقطتين مهمتين؛ الأولى هي أن السرد النسوي العربي ليس سردا ذاتيا متفردا خاصا بالأدب النسوي العربي، بل هو تأثر واستمد الأسس الانطلاقية من الفكر الغربي؛ الثانية هو التداخل والتشابه والوحدة ما بين المشاكل التي تعاني منها المرأة، والتي دفعتها إلى مواجهة هذا العالم الذكوري الذي عمد إلى انتهاكات تجاه المرأة على مر العصور لاعتبارات تصنيفية وتميزية وفوقية تم استغلالها في بناء نظام سلطوي أبوي ذكوري. وعلى الرغم من مشاركة النساء المشكلة ذاتها، فقد تأثر الفكر النسوي الغربي بالنظرة الازدرائية إلى الآخر/ الأجنبي (المرأة) وهذا ما دفع الكثير من النسويات الرد على هذه الرؤى الانتقاصية ونقدها وبناء رؤى خاصة بها، يواجهن بها مشكلات مجتمعات مختلفة عن نظيراتها الغربية، التي رأين أن مشكلة المرأة في أوربا هي مشكلتها في كل مكان. ويستفيض الحديث في هذا الكتاب عن الفكر النسوي والغربي عموما، حتى يكاد يجعل الكتاب شاذا في الموسوعة، والذي يتأتى فيما بعد السبب في هذا، حيث هذه النظريات والمناهج الفكرية هي التي نهلت منها الكاتبة العربية القواعد الفكرية التي كتبت فيها من أجل نقد الأسس التي قامت عليها المظلومية التي تعرضت لها المرأة العربية. وتوزعت فصول الكتاب ما بين نقد الأبوية، والرؤية الأنثوية للعالم، الأنثى ومركزية الذكورة، والمركزية الجسدية، وربط هذه المواضيع بالسرد النسوي في الرواية العربية التي كُتبت بأقلام الإناث. وعرض الكتاب عشرات الروايات وتحليلها ونقدها، وتكاد الروايات جميعهن ينبعن من رؤية واحدة ويتجهن نحو محطة واحدة وإن تباينت كل رواية عن الأخرى بسمات خاصة ومثلت مشكلة معينة وبيئة خاصة، لكنها بدت كردة فعل تجاه نظام صارم امتهن المرأة وخفض من قيمتها وعاملها بقسوة، لذلك كانت ردة الفعل هي القيام بكل ما يزعزع هذه القيم التي قام عليها المجتمع، سواء أخلاقية أو دينية، فتود الشخصيات النسوية في الرواية تحرير الجسد والتمتع بملذاته وتحطيم الحدود بين الذكر والأنثى في المجتمع، دون أي محاولة لفهم هذه الأسس، وهذا ما لاحظته في كثير من الأمثلة الروائية أنه ليس هناك محاولة جادة لفهم هذا المجتمع والأبوية التي تبلغ من العمر قرونا كثيرة، بل هي تحطيم وتهديم وفي كثير من المرات تخريب لا أكثر، دون تقديم أي رؤية واضحة وجديّة يُمكن أن يُبنى عليه حلٌ مستقبلي ويكون ناجعا في تصحيح المسار، بل وتبدو كثير من الأحداث المذكورة في الروايات أنها مجرد تخيلات واستيهامات مكانها الرواية لا غير، فهي مليئة بالطوباوية والرؤية اليوتيوبية لعالم غير موجود، ويؤكد ما لاحظته ما يقول الدكتور في خاتمة الكتاب:
"ركبت الرؤية الأنثوية في الكتابة السردية النسوية العربية عالما تتعرض فيه الأبوية- نظاما وثقافة- إلى التأزم الذي يفضي إلى الارتباك ثم الانهيار، لكنها لم تقترح بدائل ولم تجرؤ على ذلك، فظل موقع الأنثى يراوح في ذلك العالم السردي المتخيل بين رغبة في الهروب من سلطة الأب بوصفه كابحا لرغباتها الجسدية، وبين مقاومتها، وبين الاستجابة لها إثر بدائل لا تفضي إلى نتيجة تحقيق التوازن في حياة المرأة. ومع ذلك فقد رسمت تلك الكتابة بوادر تفكك ذلك العالم، وصرّحت بضرورة خلخلة القيم التقليدية الداعمة له، فكان السرد يضطرب في إحالة دلالية لا تخفى عن العالم المضطرب الذي قام السرد بتمثيله".

 عملية الهدم المجتمع الأبوي وزعزعة استقراره، يجب أن يكون وفق عملية بناء أخرى لا تبخس حق الرجل، ولا تضعه في الدائرة التي خرجت منها المرأة، لأنها ستواجه في هذه الحالة صدًا وتمنعًا يجعل من مهمة الإصلاح مهمة عسيرة، لم يقدم السرد النسوي في الروايات التي تم ذكرها في الكتاب أي بوادر تصحيح تعطي أملا بفهم دقيق لهذا المشكل الحقيقي، وبذات الوقت فهم للرجل والذكورية والأبوية، والأخذ بها وفق سياقها التاريخي والتطوري، دون الانخداع بمجتمعات رأسمالية أخرى، بقدر ما تعطي الأنثى تستغلها، لتتميز عن المجتمعات الشرقية بأنها لا تعطي وإن أعطت فهو النزر اليسير وتستغل المرأة، لذلك يتبدّى لنا أن المشكلة عالمية، وما تؤكده الإحصائيات لا تخفيه غيوم. 
الإصلاح الاجتماعي مُطالب به الرجل هو الآخر قبل المرأة، فهو أساس المشكلة، التي أدت بالمرأة إلى الخوض في غمارات مُتعبة للمطالبة بحقها! وعلى السرد النسوي عربيّه وعالميّه، أخذ المشكلة بعين الاعتبار من خلال رؤى واضحة بعيدا عن الربط بين الأنثى والجسد وجعله وسيلة متعة للذكر، فما تطرحه بعض الروايات، هو تحرير الجسد من جسد للتمتع الإجباري للذكر لتضعه في جسد للتمتع الاختياري للذكر، بل قد تنجرف أُخريات وتنزلق به إلى مستنقع الشذوذ والسحاق، فهذه الأمثال وغيرها تربط الحقوق والحريات التي يجب أن تتمتع بها المرأة بمفاهيم ضيقة لا تحقق شيئًا  فهي تقوم بمواجهة التطرف بتطرف آخر. 
ومما ينقده د. عبد الله عن الرواية النسوية، هي الأنثى الجميلة التي لا تبلى بتقدم العمر، فهي تبقى محافظة على شباب خالد، ويضيف كأن السرد النسوي لا يود الاعتراف بشيخوخة المرأة لذلك تنتهي الروايات والمرأة في منتصف عمرها وفي ذروة الحيوية!






ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

افتتاح موقع قرطاس الأدب

  افتتحنا موقع قرطاس الأدب ويمكنكم قراءة آخر مقالاتنا المنشورة عبر موقع قرطاس الأدب