المشاركات الشائعة

الخميس، 14 مارس 2019

"أكلنا تفاحة مسمومة" عاموس عوز قصة عن الحب والظلام




بهذه العبارة المقتبسة من الرواية ذاتها أفتتح مراجعتي، فهي تجسد بشكل كبير إحساسي بعد إتمام قراءتها بجهد لا يضاهيه إلا جهد غواص يحاول تحطيم رقم قياسي للغوص،عاموس عوز قدم لنا في روايته هذه تفاحة تقطر سما زعافا قد ينسف  كل معتقداتنا وثقافة نفي لكل ما يأتي من هذا الطحلب العالق بمؤخراتنا ويكبر يوما بعد يوم وإن لم نلفظ هذه التفاحة الملعونة فورا وبمجرد الانتهاء من الرواية يبقى هناك خطر زرع نبتة قد تكون ثمارها سرطانا يأكلنا ببطء.
أول شيء لفت انتباهي في هذه الرواية عنوانها، فالعنوان عادة يترجم من خلال الأحداث وكنت أعتقد أنني سأجد قصة حب عنيفة لا تذر نيرانها أخضر أو يابسا لكني وجدت قصة حب مغايرة فسرَت لي العنوان بشكل مغاير فعاموس تحدث في كتابه عن حب شاذ متطرف شيطان لا ينبت إلا في الظلام. العنوان إذن منطقي لغاية التفاهة. من الأشياء أيضا التي لفتت انتباهي إهداء المترجم جورج خوري هذه الرواية لروح ابنه الذي مات خطأ على يد مقاومين فلسطينيين في الحي اليهودي والمترجم بهذا الإهداء يحاول أن يرسي أسس قيم التسامح مع العدو مقدما دم ابنه قربانا لهذه المحاولة.. وعجبي.. مع ذلك أرفع قبعتي لهذا المترجم الذي نقل بصدق كبير رواية عبرية إلى اللغة العربية ولم ينتقص منها شيئا يمس بقيمتها الأدبية، نعم رواية عاموس تمتلك من المكونات الأدبية ما يؤهلها لتأخذ أفضل التقييمات ويحسب لعاموس ذكاؤه في تحذيرنا من تصنيف كتابه في خانة معينة حتى لا نحتجزه في زاوية معينة في النقد فكتابه هذا مفتوح الهوية  نجح فيه أن يكتب رواية في إطار أوتوبيوغرافي مثير أدخلنا في متاهة زمنية يجاذبنا فيها الحاضر والماضي ويحاول من خلالها عاموس أن يقرب القارئ من النتائج ثم يعود للأسباب والعكس صحيح في سرد مطرد بين مد وجزر لدرجة وقع فيها مرارا في التكرار والإطناب وجدته عديم الجدوى كاد أن يفقد تقييمي نجمتين من خمسة، تعتبر رواية عوز هذه أرشيفا متكاملا للأدب العبري فهو الشاهد المعاصر لأدباء شكلوا اللبنة الأولى للأدب الاسرائيلي على أرض فلسطين وذكر الجنسية هنا من باب التفريق بين الأدب العبري في دياسبورا اليهودية والأدب العبري في الكيان الصهيوني ونستطيع أن نقول أن عاموس استطاع بفعل المناخ الأدبي والفكري الذي تربي فيه أن يكون مجدد الأدب العبري وأفضل ممثل له عالميا باعتباره أكثر الكتاب اليهود ترجمة في العالم.
قبل أن أتجرد كليا من حيادي تجاه عاموس لا بأس أن أذكر باختصار حكاية هذا الصهيوني وهو لقب يحبه عاموس وأغلب على روايته  ولن أمنعه من هذه المتعة، ولد عاموس عوز في القدس تحت اسم عاموس كلاوزنر من جدين لأم هاجروا من روفينو بأوكرانيا ومن جدين للأب قادمين من روسيا من خلال الرواية يتضح لنا أن الجدود هاجروا لفلسطين أو الدولة العثمانية آنذاك فيما يعرف بعليا الثانية  (من روسيا بسبب الاضطهاد الروسي لليهود) وعليا الثالثة (من دول أوروبا الشرقية). أبواه كانا من أشد الصهاينة عنصرية وذلك لانضمامهما لتيار جابوتينسكي، يمتلك والده وعمه رصيدا معرفيا مهما أثر في حياة الكاتب في حين لم تكن أمه إلا شبحا ضائعا سرعان ما التحق بمكانه وهو في سن الثانية عشر، انتحار والدته رغم مكابرته شرخ وجدانه وظل الشبح مرافقا بشكل أو بآخر معظم كتاباته، والغريب أن عاموس بدا مترددا في الحديث عن أمه وأسباب انتحارها فجاءت قصة الأم كقطًارة أذن تزيد الوجع أكثر مما تزيل ضجيج تساؤل  القارئ مما جعلنا نتساءل لماذا اعتمد هذه الطريقة في الحكي وهل لخلطه بين العام والخاص هدف أراد أن نصل اليه أو هو فقط يرمي الأسباب على الظروف العامة التي رافقت تأسيس دولته، في حين فشل عاموس في سبر أغوار نفسية أمه أجاد في تفصيل نفسيات شخصيات عايشت أسرته أو عاصرها هو واختياره للشخصيات لم يكن اعتباطيا بل مرتبا بشكل يتماشى مع أحداث تأسيس الكيان كمحاولة لتجريد القارئ من أي عتب قد يرافق اليهود ويحمله ذنب الاحتلال هنا يجب أن أوكد على أمر مهم جدا فرواية قصة عن الحب والظلام لم تكتب للعرب والمسلمين رغم فرحة عاموس بترجمتها فهي نفسها فرحة الأسد بحصوله على فريسته دون عناء بل كتبت للغرب العدو القديم هي ابتزاز عاطفي رخيص واستجداء عطف العالم لهذا "الشعب الضعيف" الذي عانى الويلات من أوروبا وليس العرب وهي محاولة تفسير وتبرير الوجود اليهودي في فلسطين من باب المساعدة الثقافة والتنويرية لشعب متخلف ومحاولة العيش بسلام جنبا لجنب  
هذه الصورة العبثية التي أراد عاموس توصيلها للعالم مليئة بالمغالطات والكذبات التاريخية بدءا بسخافة الاحتلال البريطاني للأراضي اليهودية متجاهلا وعد بلفور ومساعدة بريطانيا للكيان بالنهوض قبل أن يرحل  وإغفاله أيضا للمجازر الإسرائيلية وفي هذا كان عاموس ذكيا جدا في انهاء روايته في مرحلة تاريخية معينة تجنبا للمجازر التي حدثت بعد ذلك خصوصا لو عرفنا ان الرواية كتبت من بداية 2000، عبث عاموس هذا بدا أكثر عبثا في طريقة تدرجه في الحديث عن العربي فهو بداية  تجنب الخوض فيه ومع توالي الأحداث بدأ هذا العربي يظهر كموج مدجج بالسيوف لا هدف له إلا ذبح اليهود ولم يسلم من هذه الصورة الكاريكاتورية الرجل الذي ساعده يوما وأخرجه سالما في حادثة متجر النساء، هنا يجب أيضا أن أذكر ملاحظتين على درجة كبيرة من الأهمية أولها تجنب عاموس ذكر لفظ "فلسطيني" واستبداله بلفظ "عربي" وهذا نجد هدفه في الملاحظة الثانية وهي محاولته تبرير فكرة الأرض الموعودة لليهود في القدس بأرض موعودة للعرب وهي مكة أو السعودية وفات هذا المثقف أن العرب ليسوا جميعا مسلمين فيهم مسيحيون يعتبرون فلسطين أيضا أرضا مقدسا غباء كاد أن يعصف بكل نجمات تقييمي لهذه الرواية


في النهاية لا يسعني إلا أن أقول أن الضجة التي رافقت شخصية عاموس عوز بكونه داعية سلام ليست سوى بروباغندا إسرائيلية اعتادها العرب ككذبة واعتادها الغرب كمسلمات، ورغم تشدق عاموس بالسلام كحل فهذا الأمر في نظري يشبه لحد كبير صورة الغراب الذي ينعق بجنب أخيه ويقوم بدفنه بعد أن قتله كمحاولة منه تضميد جراح الضمير، عاموس الذي قرأ لبرنارد لويس ومعلوم عندنا ما يكنه هذا الأخير من كره للعالم الإسلامي لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يكون داعية سلام وروايته هذه أكبر دليل على الشيزوفرينيا الإسرائيلية، ففي الرواية عاموس كان يساريا من الدرجة الأولى رافضا حتى اليمين الإسرائيلي بالتالي فمن المؤكد أن الصورة التي يريدها عاموس أن تصل للغرب هي نفسها الصورة التي تريدها إسرائيل فهو بوق إعلامي جديد محبب لجيل الشباب ويستطيع بسهولة قتل الذاكرة لو كانت تحمل ما قد يعيق الحصول على المراد. وفي الأخير من يستطيع أن يرفض أو يتساءل عن أحداث تروى من فم طفل صغير يتيم الأم..

إيمان العزوزي.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

افتتاح موقع قرطاس الأدب

  افتتحنا موقع قرطاس الأدب ويمكنكم قراءة آخر مقالاتنا المنشورة عبر موقع قرطاس الأدب