المشاركات الشائعة

الأحد، 13 يناير 2019

لماذا علينا جميعا قراءة الشعر القديم في الوقت الحالي؟

لماذا علينا جميعا قراءة الشعر القديم في الوقت الحالي؟
دايزي دان 2-8-2018
أشارتْ الكاتبةُ الكلاسيكيةُ إديث هاميلتون في عامِ 1942 إلى النقاطِ المظلمةِ التي تجتاحُ عوالمَ الأسطورةِ اليونانية. قراءةُ الشعرِ القديمِ اليومَ تجعلك تدركُ كيف نمتْ تلك البقعُ المظلمة. قد تكونُ أشياءَ شريرة، ولكنّها كالثقبِ الأسودِ الذي يمتصك إلى داخله، وهو كذلك تذكيرٌ للقوةِ المستمرةِ للقصيدةِ الكلاسيكيةِ مع مرورِ الوقت.


لا يوجدُ شيءٌ مثلَ الشعرِ القديمِ ليجعلك تعيدُ تقييمَ وترتيبَ أولوياتك. بأمكانِ هوميروس أو فيرجيل أو أوفيد أنّ يجعلك تشعرُ أنّك صغيرُ الحجمِ وغير ذي أهمية، ولكنّ هذه المشاعرَ التي قد تبدو سلبيةً  تستحقُ منك الصبرَ عليها للحصولِ على الوضوحِ الذي تجلبه في النهايةٍ إلى الصورةِ الكاملةِ الأكبر. وإذا سمحتم لهم فقط، يمكنُ لشعراءِ اليونانِ القديمةِ وروما أنّ يجلبوا لكم نوعَ الحياةِ الذي تريدون العيشَ فيه، وبشكلٍ أوضح، الشخص الذي تريدون أنّ تكونوا عليه، هم بارعون جداً في قطعِ الطريقِ على ضجيجِ الحياةِ الحديثة.
يلتقطُ أوفيد روحَ العصرِ الحاليّ أكثرُ من أيّ كاتبٍ معاصرٍ أعرفه. إنّه أمرٌ رائع، سيما إذا عرفنا أنّه ماتَ في أوائلِ القرنِ الأولِ الميلادي، لكنّ كلماتهُ اكتسبتْ أهميةً جديدةً في السنواتِ القليلةِ الماضية. حيثُ بدتْ قصيدته التحولات (Metamorphost) غريبةً وخيالية، سيما مع قصصه عن الفتياتِ، التي تُمسخ إلى أشجارٍ، والمنحوتاتُ التي تتحولُ إلى لحمٍ حي، قصائده حالياً تقرأُ بانسيابيةٍ كسهولةِ الدخولِ في محادثاتٍ بشرية.
حيث يذكرُ في إحدى المراتِ أنّ هناك شابٌ يدعى أوكاتيون وبينما هو في رحلةِ صيدٍ يُصادفُ مع الإلهةِ ديانا بينما هي تستحم. وفي فورةِ غضبها تحولهُ الإلهٌ إلى أيل. غير قادرٍ على الشعورِ بشيئٍ سواءً في منزلهِ أو في قصره السابقِ أو حتى في الغابةِ مع الحيواناتِ الأخرى -يعوق العار طريقه والخوف كذلك- يتمزقُ أكتايون من قبلَ كلابِ صيده ومن إحساسه بالعزلةِ أيضا. ليس هناك شيء أكثر إزعاجاً من كونك غيرَ مرتاحٍ لشكلك الخارجي. في حين هنالك أيضا شخصياتٌ أخرى من هذه التحولاتِ هي أكثرُ حظاً من أوكاتيون. حيث يتغيرُ شكلهم ليبدو بشكلٍ أفضلَ ممّا هم عليه حقا.
توحي لي معاناةُ أوكاتيون أنّ الهروبَ من الواقعِ  لا ينبغي أنّ يكون السببُ الرئيسي لقراءةِ الشعرِ القديمِ اليوم. حيث هنالك بالتأكيدِ تسليةٌ ومرحٌ، ويمكنُ العثورَ عليهما في قصائدِ الشربِ لهوراس -nunc est bibendum- أو مغامراتِ أوديسيوس. حتى أنّ هنالك مناقشةٌ حيةٌ حولَ مميزاتِ الريفِ على  المدينة، كميزةِ التنقلِ اليومي مثلاً التي يطرحها فيرجل. ولكنْ عندما يتحولُ الشعراءُ إلى صراعاتهم وقلقهم السياسيَ فإنّ أصواتهم تبدو حديثةً للغاية. لا تقرأها من أجلِ الهروبِ من الواقعِ بل على العكس- لقد وجدوا الكلماتَ للتعبيرِ عن النقاطِ المظلمةُ التي ما زلنا نواجهها حتى اليوم.


قبلَ مدةٍ طويلةٍ من ولادةِ أوفيد، وتحديداً في القرنِ الخامسِ قبلَ الميلاد، وضعَ الكتّابُ التراجيديون اليونانيون الحالةَ البشريةَ تحت المجهر. سمحَ الشاعرُ يوربيديس Euripides في كتابه الباخوسيات Baccha بأظهارِ الصراعِ بين رغباتنا الداخليةِ الحيوانيةِ الجامحةِ والشعورِ الخارجي بالاستقامة. هل من الأفضلِ قمعُ رغباتك أو إعطاءُ العنانِ للفضول؟  في المسرحيةِ حيث تكونُ سمعةُ الملكِ على المحك، ضعْ نفسك في مكانه وستدركُ حينها أنّ الرهاناتِ أصبحت أعلى إلى حدٍ ما. حيث يمكنُ لأي شخصٍ اليومَ أنّ يعاني من الإذلالِ العلني بسببِ اختياره الخاطئ. دع نفسك تنطلقُ على مسؤوليتك.
لقد أدركَ الشعراءُ اليونانيون أنّ الأوضاعَ المتطرفةَ تبرزُ أفضلَ وأسوأ شيءٍ فينا. هذا هو السببُ في أنّهم يحبون أنّ يقدموا شخصياتهم بخياراتٍ مستحيلة. إنّ شخصيةَ أنتيجون التي صنعها سوفوكليس كانت الملهمةَ للفائزةِ بجائزةِ المرأةِ عن الخيالِ هذا العامِ، الكاتبةٌ كاملة شمسى في روايتها Home Fire، حيث تجبرُ بطلها على الاختيارِ بين طاعةِ قانونِ خالها وسلطةُ الآلهة. حيث أنّها في اختيارِ طريقةِ دفنِ أخيها الراحل، الذي أعدم زعماً أنّه خائن، كرمتْ أنتيجون القانونَ الإلهي. وقد دخلتْ التاريخَ كواحدةٍ من أكبرَ المتظاهرين السياسيين.
عندما أحاولُ التعبيرَ عن الشعورِ بعدمِ الارتياحِ الذي أشعرُ به تجاه السياسةَ اليوم، فإنّ الأمرُ ليس بالجديدِ، فقد عبّرَ الشعراءُ الرومانيين عن عدمِ الارتياحِ هذا تجاه سياسيهم أيضا. حيث أنّ الأمرَ في روما في أواخرِ القرنِ الأولِ قبل الميلاد، لم يكنْ مختلفًا كثيراً عن البيتِ الأبيضِ أو ويستمنستر. صعودُ يوليوس قيصر، بومبي العظيم، والسياساتُ الشعبيةُ التي هددتْ الوضعَ الراهنَ كانتْ بعيدةً كلُ البعدِ عن تبنيها عالمياً. الشاعرُ اللاتيني كاتولوس، المشهورُ بقصائده العاطفيةَ لعشيقته ليسبيا تصارعَ مع سؤال جديد: كيف تقومُ بأرضاءِ الناسِ على حسابِ ذاتك؟ يوصي في البدايةِ بعدم المبالاة:
"ليس لديّ أيّ رغبةٍ على الإطلاقِ في إرضائك يا قيصر، ولا أن أعرف أدنى  شيءٍ عنك"


وإذا كانت اللامبالاةُ هذه لا تعمل؟ فارفع درجةَ حرارةِ النقدِ دون فقدانِ روحُ الدعابة. وحتى حقيقةَ أنّ قيصرَ كان صديقًا لوالده، لم يمنعْ كاتولوس من وصفه بأنّه "مقامر مغرم وقح" بل أسوأ من ذلك في إحدى قصائده اللاذعة. وحينما وصلت رسالته شعرَ قيصرُ بالاشمئزازِ من القصائد، ولكنّه قد غفرَ لمؤلفِ هذه القصائد. أتحدى أيّ شخصٍ أنّ يقرأ كتاباً من الجدلِ الروماني ويقاومَ الإيماءَ بالموافقةِ على ما يذكرُ فيه على الأقل لبعضهم.


في أفضل حالاتها، تُقرأ أعمالُ الشعراءِ القدماءَ مثل التعليقِ في وسائلِ التواصلِ الاجتماعي في وقتنا الحالي، فهي مليئةٌ بالحقائقِ غير المريحةِ ولكن من الضروري معرفتها وتسليطَ الضوءِ على ما يهم حقا. لقد أدت الزيادةُ الكبيرةُ في ترجمات النصوصِ الكلاسيكيةِ في السنواتِ الأخيرةِ إلى إحياءِ الشعراءِ القدماء، ولم تعد اللغةُ تشكلُ حاجزًا أمام فهمنا. أراهنُ أنّ ساعةً بصحبةِ هؤلاء الشعراءِ تكشفُ المزيدَ عن حقائقِ عالمنا أكثرُ من ألف تويتةٍ في تويتر أو منشورٍ في الإنستقرام من أيّ وقت مضى.

الهوامش:

إديث هاميلتون: (12 أغسطس 1867 - 31 مايو 1963) معلمةٌ أميركيةٌ ومؤلفةٌ معروفةٌ عالمياً وكانت واحدةً من أشهر كلاسيكيات عصرها.
التحولات (باللاتينية: Metamorphōseōn librī) هي قصيدةٌ سرديةٌ لاتينيةٌ للشاعر الروماني أوفيد، وتعتبر رائعته. تضم القصيدة خمسة عشر كتاباً وأكثر من 250 خرافة، وتسرد تاريخ العالم من خلقه إلى تأليه يوليوس قيصر ضمن الإطار الأسطوري التاريخي الفضفاض.
الباخوسيات: هي دراما كتبها الشاعر يوربيديس (480 ق.م - 406 ق.م ) جزءًا ثالثا من إحدى رباعياته (تيترا لوجي) وربح من خلالها عام 405 ق.م أول جائزةٍ للتراجيديا في أثينا.
هوميروس: شاعرٌ ملحميٌ إغريقيٌ أسطوريٌ يُعتقد أنه مؤلف الملحمتين الإغريقيتين الإلياذة والأوديسة.


فيرجيل: يصنف تقليدياً كواحدٍ من أعظم شعراء روما. وقد اعتبرت الإنياذة التي يعتقد أنّه مؤلفها بمثابة الملحمة الوطنية لروما القديمة منذ وقت تكوينها، على غرار الإلياذة والأوديسة لهوميروس.


هوراس: (8 ديسمبر 65 ق.م - 27 نوفمبر 8 ق.م) كان شاعراً غنائياً وناقداً أدبياً لاتينياً من رومانيا القديمة. أصر هوراس على أنّ الشعر يجب أنّ يقدم السعادة والإرشاد. عرف الشاعر بالقصائد الغنائية والمقطوعات الهجائية.
أوفيد: ( 20 مارس 43 ق.م - 17/18 م) كان شاعرًا رومانيًا عاش في عهد أوغسطس ومعاصراً للجيل الأكبر سناً، فرجيل وهوراس،  يصنف على أنّه واحدٌ من الشعراء الكنسيين الثلاثة للأدب اللاتيني.


يوربيديس:  هو روائيٌ ومسرحيٌ يوناني، ولد في سالاميس سنة 480 ق.م وتوفي في مقدونيا سنة 406 ق.م. ثالث شاعرٍ مسرحيٍ تراجيديٍ إغريقي حسب التسلسل الزمني لظهور هؤلاء الكتاب، وكان يوربيديس معاصراً للروائيين اليونانيين إيسخيلوس وسوفوكليس


سوفوكليس: (496 - 405 ق.م.) روائيٌ مسرحيٌ مأساويٌ يوناني. أحد أعظم ثلاثة كتاب تراجيديا إغريقية، مع ايسخولوس ويوربيدس.


كاتولوس: هو شاعرٌ لاتينيٌ عاش في الفترة الأخيرة من الجمهورية الرومانية ولد في سنة 84 قبل الميلاد لعائلةٍ متوسطةٍ في فيرونا، أعماله لا تزال تقرأ على نحوٍ واسعٍ وتأثيره متواصلٌ في الشعر والفنون الأخرى، توفي سنة 54 قبل الميلاد.


يوليوس قيصر :جنرالٌ وقائدٌ سياسيٌ وكاتبٌ روماني، ولد في 13 يوليو 100 ق.م وتوفي في 15 مارس 44 ق.م، وهو أول من أطلق على نفسه لقب إمبراطور.


بومبي العظيم: ولد عام 106 ق.م في روما وتوفي عام 46 ق.م في الفرما، أحد القادة العسكريين الذين برزوا في أواخر عصر الجمهورية الرومانية وهو ينحدر من أسرةٍ رومانيةٍ عريقة.


كاملة ناهيد شمسي: ولدت في 13 آب 1973 م في كراتشي في باكستان، روائيةٌ باكستانيةُ الأصل بريطانية الجنسية تعيش في لندن وتكتب رواياتها باللغة الإنجليزية. حصلت كاملة على جائزة رئيس الوزراء للأدب عام 1999 وعلى جائزة «Patras Bokhari»  في عام 2004 اللتين تمنحهما أكاديمية باكستان للأدب.


كاتبة المقال: ديزي فلورنس دان، ولدت عام 1987 هي كاتبةٌ كلاسيكية ومؤلفةٌ وصحافية وناقدة.
الترجمة: فلاح حسن.
التدقيق اللغوي: عبد الله علي.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

افتتاح موقع قرطاس الأدب

  افتتحنا موقع قرطاس الأدب ويمكنكم قراءة آخر مقالاتنا المنشورة عبر موقع قرطاس الأدب