المشاركات الشائعة

الأحد، 25 نوفمبر 2018

كتب الأطفال علمتني كل ما كنت أحتاج إلى معرفته عن ماضي الشخصيات - آن باتشيت



 

بتُّ أكافح مؤخرًا لمعرفة ماضي أبطال القصة. وما القدر الذي ينبغي أن يتاح للقارئ معرفته من أجل فهم شخصية ما، هل يجب أن نفهم شخصية والدي تلك الشخصية؟ ماذا عن الجد والجدة؟ هل يتوجب أن نعرف في أي مدرسة درسا، ومتى توظفا وماذا كانا يعملان أثناء الحرب؟ الأمر يبدو وكأن هذه المعلومات الأساسية من شأنها أن تؤدي بالرواية إلى نقطة التوقف الأبدي، لأن الحياة بطبيعتها تتجه إلى الأمام بغض النظر عما حدث في الماضي. أحيانًا أفكر بالأشخاص الذين عملوا في بارناسوس، أشخاص أحبهم وأعرفهم جيدًا- لكن باستثناء القليل منهم- لا أعرف ماذا كان أباءهم  يعملون لأجل كسب لقمة العيش. ومع ذلك كنا نضحك، ونتجادل ونجري العديد من الحوارات الهادفة. (عن الكتب في أغلب الأحيان وليس دائمًا). لماذا لا أستطيع إظهار الشخصيات في روايتي من خلال أفعالهم  بنفس الطريقة التي يكون عليها الناس في حياتي؟

كنت أبحث عن كتاب يمكنني استخدامه مثالا يحتذى به ووجدته في كتاب ساندرا بوينتون المعنون بـ But Not the Armadillo (دون المدرع). سأعترف أنه قبل أن أفتتح أنا وكارين بارناسوس لم أكن أعرف شيئًا عن كتب الرسوم. إذا سمعتُ أحدهم يقول: "سيسترعي هذا اهتمامك!"، أظنهم يتحدثون عن هنري جيمس أو توماس مان، تلك الروايات الملحمية التي تتطلب اهتمامًا ملحميًا. لكن كتب الرسوم ذو الحواف المستديرة والصفحات الجامدة المصنوعة من الورق المقوى الذي يصعب إتلافه -إلى حد ما- هو في الحقيقة ما ينبغي التركيز عليه. يسهل على الأطفال والرضع أن يقذفوا به في أي مكان حولهم أو أن  يقوموا بمص زواياه. يمكنهم التفاعل مع الكتاب بالطريقة التي يرونها مناسبة دون أن يتأذى أحد. على أن يكون كتب الرسوم ذات ألوان زاهية ويحتوي أقل من 150 كلمة. بحيث سيلزم الآباء قراءته ما لا يقل عن 150,000 مرة. ومن المستحسن أن تكون الكلمات من المستوى الجيد.   

 

"أتحدث بكامل الثقة عندما أقول أن قراءة قصة المدرع الذي يسير مع طبلته الخاصة تعادل قراءة إحدى مجموعات الجيب التي تزخر بالحكمة البوذية العميقة والتي كتبها ثيت نات هانه".

 

إن ساندرا بوينتون بالنسبة لكتب الرسوم الخاصة بالأطفال تمثل ما يمثله الدكتور سوس لكتب الصور الكرتونية، وموريس سينداك للصور التوضيحية، وشيل سيلفرستين لشعر الأطفال. إنها متربعة في القمة ثم يأتي الآخرون ليشغلوا المركز الثاني بعدها. على الرغم من أنه ليس لدي أطفال فإنني أملك الكثير من الأصدقاء الذين لديهم أطفالًا، ودائمًا ما أختار نسخًا من كتبها مثل (الجرو المهيأ للعناق والصغير بوكي) لإعطائها لهم هدايا. (كل كتاب في سلسلة الصغير بوكي ينم عن عبقرية فذة).

 

على مدى سنوات احتفظتُ لنفسي بمخزون من كتب بوينتون لذا فإني أتحدث بكامل الثقة عندما أقول إن قراءة قصة المدرع الذي يسير مع طبلته الخاصة تعادل قراءة إحدى مجموعات الجيب التي تزخر بالحكمة البوذية العميقة والتي كتبها ثيت نات هانه. ليس لهذا المدرع أي مرجعية زمنية ولا نعرف أي شيء عن ماضيه. لكن فيما لا يقل عن 124 كلمة (أحصيتها) نستطيع أن نرى ما بداخل روحه. فهو لا يشبه غيره، يأكل التوت البري ويقفز على أًصابع قدميه. هو مدرع مثالي وفريد من نوعه من كل النواحي. وكل ما يريده هو أن يُقبل على ما هو عليه. ولا يستهان بمثل هذه الرسالة عندما تُوجَّه لطفل أو لروائي متقدم في السن.

كلما نظرت إلى الضعف البادي على وجه المدرع الصغير؛  أدركتُ أن هذا ما أريد لشخصياتي أن تكونه. لم أكن في حاجة لأن أعرف عن والدي المدرع وإذا كانا قد تعرضا لنهاية مأساوية على الطريق السريع لولاية تكساس. لم يكن يلزمني أن أعرف من أين حصل على منطاده. هكذا فقط قبلتُ به شخصيةً وآمنتُ به. وأومن أن ساندرا بوينتون قد تكون هي الشخص الذي يعلمني ما أحتاج أن أتعلمه الآن.

قرأت مؤخراً مقالاً رائعاً لجويس ماينارد في " نيويورك تايمز" تحدثتْ فيه عن العلاقة التي جمعتها بالروائي ج. د. سالينجر عندما كان سنُّها 18 عاماً وهو في ألـ 53 من عمره. وقالت إنه بسبب كتابتها عن هذه العلاقة، نُبذت ولم يأخذها الناس على محمل الجد، وأدركتُ بدون أدنى إحساس بالخزي أنني لم آخذها على محمل الجد لذات السبب. عندما صارحتُ صديقة ذكية في رسالة عبر البريد الإلكتروني بذلك، قالت لي: "أنا أيضًا نبذت جويس، وأشعر بالسوء حيال ذلك. حينها تبنيتُ تلقائياً عقلية أبوية، فقط حتى لا أكون منبوذة لكوني كاتبة أنثى. أذكر كل ذلك وأتساءل ماذا نفعل بأنفسنا".

أفكر بكل السنوت التي كنت أريد أن يشعر فيها الناس بجديتي وأناقتي وأنا أحمل نسختي القديمة من (أجنحة الحمامة)، ولكن بفعل ذلك ربما فاتتني بعض الدروس الأساسية التي يمكن تعلمها من كتاب يسترعي اهتمامي حقا. لعلكم تعرفون رضيعًا أو طفلًا صغيرًا يحتاج إلى كتاب عن المدرع الذي يمتلك قوة شخصية تمكنه من السير في طريقه الذي اختاره، أو ربما أنتم مثلي بحاجة لأن تقتنوا هذا الكتاب لأنفسكم.

 


 

  •   آن باتشيت: مؤلفة لست روايات وثلاثة كتب غير روائية. فازت بالعديد من الجوائز ، بما في ذلك جائزة البرتقالة البريطانية، وجائزة فوكنر، وجائزة كتاب العام. تُرجمت أعمالها إلى أكثر من ثلاثين لغة. تعيش في ناشفيل، تينيسي، وتملك متجر بارناسوس للكتب بالشراكة مع كارين هايز.

  •    ترجمة: بلقيس الكثيري.

  • تدقيق لغوي: مؤمن الوزان.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

افتتاح موقع قرطاس الأدب

  افتتحنا موقع قرطاس الأدب ويمكنكم قراءة آخر مقالاتنا المنشورة عبر موقع قرطاس الأدب